أميركا تطلب من إسرائيل تأجيل العملية البرية في غزة لإعطاء فرصة للمفاوضات: تفاصيل وتداعيات
.webp)
في تطور لافت في مسار الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، كشفت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الإدارة الأميركية طلبت من الحكومة الإسرائيلية تأجيل العملية العسكرية البرية الشاملة في غزة، بهدف إتاحة الوقت أمام جهود الوساطة والمفاوضات الجارية بشأن صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
الطلب الأميركي: تأجيل التوغل واستمرار المفاوضات
ووفقًا لما نشرته الصحيفة يوم الأحد، فإن الطلب الأميركي تركز على نقطتين أساسيتين:
-
تأجيل إطلاق التوغل البري الشامل في عمق القطاع.
-
السماح باستمرار المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى، على أن تجري بالتوازي مع العمليات العسكرية المحدودة التي تنفذها إسرائيل حالياً.
وتأتي هذه الخطوة الأميركية في إطار محاولة واشنطن تفادي تصعيد أكبر قد يعرقل فرص التوصل إلى اتفاق إنساني، وخصوصًا مع تفاقم الوضع الميداني وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في غزة.
دوافع أميركية: تجنب انهيار المسار التفاوضي
أشارت المصادر المطلعة التي تحدثت للصحيفة إلى أن واشنطن ترى في العملية البرية الشاملة خطرًا مباشرًا على جهود الوساطة الرامية لإتمام صفقة تبادل الأسرى، والتي تشمل الإفراج عن مدنيين وجنود إسرائيليين محتجزين لدى حماس، مقابل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وأضافت المصادر أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الدخول البري الواسع سيقوض احتمالات التوصل لاتفاق، كما أنه سيؤدي إلى تعقيد أي جهود لاحقة للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم.
إسرائيل: ضغوط ميدانية واعتبارات عسكرية
من جانبهم، أكد مسؤولون إسرائيليون للصحيفة أن أي عملية برية موسعة تعني السيطرة على مساحات كبيرة من قطاع غزة، وهو ما سيجعل الانسحاب منها لاحقًا أمرًا صعبًا، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق. ويرى هؤلاء أن انسحاب القوات بعد التوغل سيعتبر تراجعًا غير مقبول عسكريًا وسياسيًا، وسيعرقل أي سيناريو محتمل لتسوية سياسية أو وقف لإطلاق النار.
كما أضاف المسؤولون أن إسرائيل حاليًا تفضل مواصلة العمليات المحدودة والضربات الجوية، بالتوازي مع مراقبة سير المفاوضات، ما يتيح لها الحفاظ على الضغط العسكري دون التورط في مستنقع بري معقد.
تصريحات متضاربة: بين التهديد والتلميح بالمرونة
رغم تصاعد التهديدات الإسرائيلية، إلا أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن كبار المسؤولين في تل أبيب تكشف عن وجود تناقضات واضحة في المواقف، توحي بإمكانية التراجع عن تنفيذ الهجوم الشامل، في حال أحرزت الوساطة الدولية تقدمًا ملموسًا.
فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش "سيعمل بكامل قوته ولن يتوقف حتى تحقيق جميع الأهداف"، في إشارة إلى العملية المرتقبة، إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدا أكثر انفتاحًا على خيار التهدئة، إذ قال الأربعاء الماضي إنه "مستعد لوقف إطلاق نار مؤقت بهدف إعادة الرهائن"، وفق تعبيره.
وتشير هذه التصريحات إلى أن الخيار العسكري ليس حتميًا بالكامل، وأن هناك مساحة متاحة للمناورة السياسية، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لاستغلاله.
"عربات جدعون": الخطة الإسرائيلية لتوسيع الهجوم
يعود الحديث عن العملية البرية الشاملة إلى بداية مايو الجاري، حين أقر المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في إسرائيل خطة "عربات جدعون"، وهي الخطة التي تستهدف توسيع رقعة الهجوم داخل قطاع غزة، وصولاً إلى السيطرة الكاملة على أجزاء واسعة من أراضيه.
وبعد إقرار الخطة، بدأت الحكومة الإسرائيلية الاستعداد الفعلي لتطبيقها، بما في ذلك استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط من مختلف الوحدات، تحسبًا لأي تصعيد كبير.
وبحسب التقارير، فإن الجيش الإسرائيلي بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة في 18 مايو، عبر هجوم بري محدود من عدة محاور، يهدف إلى اختبار الأرض وتقدير الموقف الميداني قبل الشروع في الهجوم الكبير.
"يسرائيل هيوم": خطة السيطرة على 75% من غزة خلال 3 أشهر
في تقرير نشرته صحيفة يسرائيل هيوم الخميس الماضي، كشف مصدر عسكري أن الجيش الإسرائيلي يخطط للسيطرة على نحو 70 إلى 75% من أراضي قطاع غزة خلال 3 أشهر فقط، كجزء من حملة موسعة تهدف إلى تفكيك ما تبقى من البنية العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي.
ويشمل المخطط اقتحام مناطق وسط وجنوب القطاع، بما في ذلك خان يونس ودير البلح ومخيم النصيرات، إلى جانب تعزيز السيطرة على المناطق الحدودية وضمان عدم وجود أي نشاط عسكري قريب من مستوطنات غلاف غزة.
الوضع الإنساني في غزة: أرقام مرعبة
تزامنًا مع هذا التصعيد العسكري، تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة بشكل غير مسبوق، حيث أعلنت وزارة الصحة في القطاع يوم الأحد، أن عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي المتواصل بلغ 53,939 شهيدًا، في حين أصيب 122,797 شخصًا منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023.
وأشارت الوزارة إلى أن هناك العديد من الضحايا لا تزال جثثهم تحت الأنقاض أو في الطرقات، حيث تعجز فرق الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم بسبب القصف أو تدمير البنية التحتية.
ويواجه سكان غزة نقصًا حادًا في الغذاء والدواء والماء النظيف، مع تزايد معدلات الفقر والجوع، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية والخدمات الأساسية.
أميركا تمارس ضغطًا ناعمًا
يبدو أن واشنطن، رغم دعمها المستمر لإسرائيل منذ بداية الحرب، تحاول إعادة ضبط إيقاع العمليات العسكرية، بحيث لا تتجاوز خطوطًا حمراء قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع في الإقليم بأكمله. ويشمل ذلك:
-
تجنب مجازر جماعية قد تثير الرأي العام الدولي.
-
منع انهيار المسار التفاوضي مع حماس بشأن الرهائن.
-
الحفاظ على استقرار المنطقة ومنع تدخلات خارجية موسعة، سواء من حزب الله في الشمال أو من إيران.
كما تخشى الإدارة الأميركية من أن توسع الحرب سيدمر ما تبقى من فرصة لتمرير صفقة تبادل الأسرى، التي تعتبرها الإدارة أولوية استراتيجية خاصة في ظل الضغوط الداخلية التي تواجهها الحكومة الأميركية في عام انتخابي حساس.
ما الذي يمكن أن يحدث الآن؟
بحسب مراقبين، فإن مصير العملية البرية الإسرائيلية بات مرهونًا بأربعة عوامل رئيسية:
-
تقدم المفاوضات مع حماس بوساطة مصرية وقطرية.
-
مستوى الضغط الأميركي على الحكومة الإسرائيلية.
-
الوضع الميداني وقدرة الجيش الإسرائيلي على التوغل دون خسائر كبيرة.
-
رد الفعل الدولي والإقليمي على أي تصعيد جديد.
وإذا لم تحقق المفاوضات تقدمًا سريعًا، فقد تعود إسرائيل لتفعيل خطتها البرية بالكامل، ما قد يؤدي إلى مواجهات دامية وزيادة هائلة في أعداد الضحايا، ويدفع المنطقة نحو مرحلة أكثر خطورة.
بين الحرب والمفاوضات.. غزة في مهب الريح
يُظهر الموقف الأميركي الأخير أن هناك نافذة دبلوماسية ضيقة ما زالت مفتوحة، تسعى واشنطن من خلالها إلى تفادي حرب شاملة في غزة، عبر تأجيل التوغل البري وإعطاء فرصة للجهود السياسية.
لكن في المقابل، تستمر إسرائيل في حشد قواتها وتحضير المشهد لعملية قد تنفجر في أي لحظة، ما يضع سكان القطاع، وعددهم يتجاوز مليوني نسمة، في دوامة انتظار قاتل بين مفاوضات لا تنتهي، وقنابل لا تتوقف.
في هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال معلقًا: هل تنجح الضغوط الأميركية في تغيير مسار الحرب، أم أن إسرائيل ستمضي قدمًا في خطتها بغض النظر عن العواقب؟ الجواب قد تحمله الأيام القليلة المقبلة.