أم لتسعة أطفال تروي من غزة.. "جائعون ونأكل وجبة بالأسبوع"

غزة تقاتل الجوع: قصة أم وتسعة أطفال وسط الأنقاض والحصار

غزة تحت الحصار، المجاعة في غزة، معاناة الفلسطينيين، الوضع الإنساني في غزة، نقص الغذاء، الحرب على غزة، مساعدات غزة، نازحو غزة، أزمة إنسانية، أطفال غزة

في قلب الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة في قطاع غزة، تعيش ميرفت حجازي، أم لتسعة أطفال، تجربة إنسانية قاسية تلخص ما يعانيه مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية. بين ركام منزلها المدمر في مدينة غزة، تقطن ميرفت وأطفالها في خيمة مؤقتة، لا تحمي من البرد أو الجوع أو القصف، بل تشهد على صمود أسرة تصارع من أجل البقاء.

وجبة واحدة فقط.. وفي أفضل الأحوال

منذ أسابيع، تعيش عائلة ميرفت على وجبة واحدة فقط يومياً، غالباً ما تكون غير كافية لتسد رمق طفل واحد، ناهيك عن أسرة مكونة من عشرة أفراد. تقول ميرفت: "أحيانًا نأكل فقط نصف كيلو عدس مطبوخ، نتقاسمه جميعاً. لا يوجد فطور، ولا عشاء. فقط الغداء، عندما نكون محظوظين".

يوم الخميس الماضي، لم تتناول الأسرة أي طعام على الإطلاق، باستثناء الطفلة الرضيعة لمى (11 شهراً)، التي حصلت على كيس صغير من معجون الفول السوداني كغذاء مكمل، قدمته عيادة محلية بسبب معاناتها من نقص حاد في الوزن. هذا الكيس الصغير، كان وجبتها الوحيدة.

"ببكي في الليل من الجوع"

تتحدث ميرفت بحرقة عن مشاعرها كأم لا تستطيع توفير الطعام لأطفالها. تقول: "أنا ببكي في الليل لما بنتي لمى تبكي من الجوع وبطنها توجعها... بحس بالخجل لأني مش قادرة أطعم أولادي". مشهد متكرر كل ليلة: الأطفال يستيقظون على أصوات القصف أو من شدة الجوع، والأم تواسيهم بوعود كاذبة عن طعام لن يأتي.

من الحياة الكريمة إلى البحث عن لقمة

قبل اندلاع الحرب، كان زوج ميرفت، محمد، يعمل سباكاً ويجني دخلاً معقولاً، ما سمح للعائلة بعيش حياة مستقرة. كانوا يتناولون وجبات يومية من اللحم والدجاج، ويستمتعون بأصناف مختلفة من الطعام. تتذكر ميرفت تلك الأيام قائلة: "كان الناس بيحسدوني على الأكل اللي بنطبخه في البيت".

ابنتها الكبرى، ملك (16 عاماً)، تتحدث عن اشتياقها للبرغر والشوكولاتة والمشروبات الغازية. أما اليوم، فكل ما تطمح إليه الأسرة هو وجبة مشبعة ولو مرة في اليوم، أو حتى كأس ماء نظيف.

رحلة البحث عن طعام.. ومقتل الأب

في بداية الحرب، قُتل محمد زوج ميرفت أثناء خروجه بدراجته الهوائية لجلب الطعام من أحد المطابخ الخيرية. الحادث المأساوي ترك الأسرة بلا معيل، وزاد من صعوبة حياتهم. "من يومها وإحنا لحالنا، بنحاول نعيش"، تقول ميرفت.

الطفلة مِنَّى (14 عاماً) أصبحت الآن من يتولى مسؤولية تأمين الطعام للعائلة. كل يوم تذهب إلى أحد المطابخ الخيرية، تتوسل وتجادل لتعود بما تيسر، وأحياناً لا تعود بشيء.

الجوع ينهك الأجساد ويطفئ الأرواح

تشير ميرفت إلى أن أطفالها أصبحوا يعانون من ضعف عام، لا طاقة لديهم حتى لتنظيف الخيمة أو جلب الماء. "الولاد نايمين طول اليوم، تعبانين، جوعانين، ومش قادرين يتحركوا"، تضيف.

في الأيام التي لا تصل فيها شاحنات المياه إلى قسمهم من المخيم، يضطر أبناؤها مصطفى (15 عاماً) وعلي (13 عاماً) إلى السير مسافات طويلة لجلب عبوات ماء بلاستيكية، رغم الإرهاق والجوع.

مجاعة تلوح في الأفق

الحالة التي تعيشها أسرة ميرفت ليست استثناءً. فبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يواجه نصف مليون فلسطيني خطر المجاعة الفعلية في قطاع غزة. ومع استمرار الحصار وتقييد دخول المساعدات، يصبح المشهد أكثر قتامة يوماً بعد يوم.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الطفلة لمى التي تزن خمسة كيلوغرامات فقط، تعاني من سوء تغذية حاد، حيث أن وزنها لا يتجاوز نصف الوزن الطبيعي لطفلة في عمر السنة.

أين المساعدات؟

رغم إعلان إسرائيل مؤخراً عن فتح المعابر والسماح بدخول بعض المساعدات الغذائية مثل الطحين وحليب الأطفال، إلا أن ميرفت لم تر شيئاً من ذلك. "ما في ولا إشي وصل إلينا، لا طحين ولا خضار"، تقول وهي تنظر بحسرة إلى أطفالها.

العديد من العائلات في مخيمات النزوح تشارك ميرفت القصة نفسها: طعام لا يكفي، مياه غير نظيفة، غياب الرعاية الطبية، وانعدام الأمان.

منازل تحولت إلى أنقاض

تقيم ميرفت الآن في خيمة بمخيم للنازحين في مدينة غزة، بعدما عادوا من دير البلح إلى منزلهم المدمر في حي الصبرة. الهجوم الإسرائيلي الذي ركز على هذا الحي منذ بدايات الحرب، دمر معظم البنية التحتية فيه، ولم يتبق سوى الركام.

تقول ميرفت: "رجعنا بعد وقف إطلاق النار المؤقت في يناير، لقينا بيتنا صار تراب. ما في غير الخيمة".

نداء إنساني.. لا علاقة لنا بالحرب

في كلماتها الأخيرة، تطلق ميرفت نداء إنسانياً: "إحنا مدنيين، ما إلنا دخل بالحرب. بدنا نعيش بسلام، نرجع لبيوتنا، ننام شبعانين وأمنين".

رسالتها ليست سياسية، بل إنسانية. كأم، لا تطلب سوى طعام يكفي أطفالها، ومأوى يقيهم برد الليل، وهدوء يمنحهم نوماً بلا رعب القذائف.

الواقع الميداني: أرقام صادمة

  • عدد الشهداء في غزة: أكثر من 53,000 فلسطيني حتى الآن، حسب وزارة الصحة في غزة.

  • عدد الشهداء في إسرائيل: حوالي 1,200 في هجوم 7 أكتوبر، وفق المصادر الإسرائيلية.

  • الرهائن في غزة: حوالي 251 شخصًا.

  • عدد الشاحنات التي دخلت: أقل من 100 شاحنة منذ بدء السماح بدخول المساعدات.

  • المجاعة: ربع مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، ونصف مليون معرضون لمجاعة وشيكة.

الأمم المتحدة: "ما يدخل غزة قطرة في محيط الاحتياجات"

أكد توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن كمية المساعدات التي تسمح إسرائيل بدخولها إلى غزة لا تكفي. وقال: "ما يصل اليوم إلى القطاع لا يمثل حتى الحد الأدنى المطلوب لتفادي الكارثة".

 حياة بلا ضمان.. وجوع بلا نهاية

قصة ميرفت ليست إلا واحدة من آلاف القصص التي تشهد على معاناة شعب بأكمله، شعب حوصر بين نيران الحرب، وعجز المنظمات، وتخاذل المجتمع الدولي. بينما تتقاذف الأطراف السياسية المسؤولية، يبقى الإنسان الغزي هو الضحية الوحيدة لجوع لا يرحم، وقصف لا يهدأ.

ومع كل هذا، تظل ميرفت وأطفالها متمسكين بأمل ضعيف في الحياة، في وقف إطلاق نار دائم، وفي عودة إلى منزل وإن كان مهدماً. تظل الأم الفلسطينية رمزاً للصمود في وجه المجاعة، والموت، والخذلان.

تعليقات