سويسرا تدرس التحقيق في أنشطة "مؤسسة إغاثة غزة" المدعومة من أميركا

 تحقيق محتمل في أنشطة "مؤسسة إغاثة غزة": نزاع دولي جديد حول حيادية المساعدات في القطاع

مؤسسة إغاثة غزة، مساعدات غزة، تحقيق سويسري، القانون الإنساني الدولي، حماس، الأمم المتحدة، شركات الأمن الخاصة، أزمة غزة، النقل القسري، النزوح في غزة، رويترز، ترايال إنترناشونال، توزيع المساعدات في غزة، المساعدات الإنسانية

في خضم الأزمة الإنسانية العميقة التي يشهدها قطاع غزة، ومع تزايد الضغوط الدولية لتأمين المساعدات للفلسطينيين المحاصرين، تفجرت أزمة جديدة حول "مؤسسة إغاثة غزة"، وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة تسعى إلى لعب دور رئيسي في توزيع الإغاثة داخل القطاع. وقد أعلنت السلطات السويسرية يوم الأحد أنها تدرس فتح تحقيق قانوني في أنشطة هذه المؤسسة، وذلك بناءً على شكاوى رفعتها منظمة غير حكومية تتهم المؤسسة بانتهاك مبادئ الحياد الإنساني.

❖ خلفية القضية: تدخل سويسري وتحقيق مرتقب

الجدل بدأ عندما قدّمت منظمة "ترايال إنترناشونال"، وهي منظمة غير حكومية مقرها سويسرا، مذكرتين قانونيتين إلى السلطات السويسرية في 20 و21 مايو، تطلب فيهما فتح تحقيق في أنشطة "مؤسسة إغاثة غزة" المسجلة في سويسرا.

المنظمة تدعي أن المؤسسة تخالف القانون الإنساني الدولي والقانون المحلي السويسري، خاصة فيما يتعلق باستخدام شركات أمن خاصة في توزيع المساعدات، وهو أمر غير معتاد في إطار العمل الإنساني التقليدي، ويفتح الباب لعدة إشكاليات تتعلق بالشفافية، الحياد، والمخاطر الأمنية.

وبحسب ما أكدته وزارة الخارجية السويسرية لـ"رويترز"، فإنها بالفعل تلقت الطلبين وهي بصدد التحقيق في قانونية أنشطة المؤسسة، بما في ذلك ما إذا كان يجب على المؤسسة الإفصاح عن توظيفها لشركات أمن خاصة.

❖ اعتراض أممي وتحذيرات من تبعات خطيرة

تأتي هذه التطورات بعد أن عارضت الأمم المتحدة خطة "مؤسسة إغاثة غزة" لتوزيع المساعدات، ووصفتها بأنها غير نزيهة وغير محايدة، محذرة من أنها قد تؤدي إلى تفاقم النزوح الداخلي في القطاع وتعريض حياة آلاف المدنيين للخطر.

وترى الأمم المتحدة أن هذه الخطة تهدد بتغيير المعادلة الميدانية والإنسانية، لأنها تتجاوز القنوات التقليدية لتوزيع المساعدات، وتفتح الباب لتدخلات سياسية وأمنية في شريان الإغاثة، ما يهدد بفقدان الثقة في العملية الإنسانية ككل.

❖ رد "مؤسسة إغاثة غزة": نلتزم بالمبادئ الإنسانية

في المقابل، نفت "مؤسسة إغاثة غزة" هذه الاتهامات بشدة، وأكدت في تصريحات لوكالة "رويترز" أنها تلتزم التزاماً صارماً بالمبادئ الإنسانية، وأنها لا تنوي دعم أو تنفيذ أي شكل من أشكال النقل القسري للمدنيين.

وأضافت المؤسسة أنها تسعى لبدء نشاطها في القطاع قبل نهاية شهر مايو، موضحة أن الهدف الأساسي من تدخلها هو إيصال المساعدات إلى المحتاجين بطريقة أكثر فاعلية، مع تأمينها عبر شركات أمن خاصة لضمان عدم تسربها إلى جماعات مسلحة، وعلى رأسها حركة حماس.

❖ توظيف شركات أمن خاصة: نقطة التحول المثيرة للجدل

من أبرز النقاط التي أثارت الجدل هي نية المؤسسة الاستعانة بشركات أمن خاصة لحماية عمليات التوزيع. ورغم أن المؤسسة تعتبر هذه الخطوة ضمانًا إضافيًا لتأمين إيصال المساعدات إلى مستحقيها، فإن جهات إنسانية عدة تعتبر هذا تحولًا خطيرًا عن المبادئ المعمول بها، حيث يُخشى من عسكرة العمل الإغاثي وانحرافه عن الحياد.

وتثير هذه النقطة تساؤلات قانونية وسياسية، خاصة داخل سويسرا، التي تشدد قوانينها على ضرورة الحفاظ على الحياد الإنساني في أنشطة الجمعيات المسجلة لديها، كما تُلزم المنظمات العاملة في المجال الإنساني بالإفصاح الكامل عن أي تعاون مع جهات أمنية أو عسكرية.

❖ الموقف الإسرائيلي: فتح المعابر جزئيًا

وفي سياق موازٍ، سمحت السلطات الإسرائيلية بإدخال كميات محدودة من المساعدات إلى قطاع غزة الأسبوع الماضي، وذلك بعد قرارها بوقف إدخال المساعدات بشكل تام في الثاني من مارس الماضي.

ويبدو أن هذا القرار جاء كجزء من ضغوط دولية متزايدة على تل أبيب، خاصة مع تفاقم الأزمة الغذائية والصحية في القطاع، وتزايد تقارير المجاعة المنتشرة في شمال غزة.

ورغم فتح المعابر بشكل جزئي، إلا أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية تشكو من استمرار المعوقات التي تمنع التدفق الكافي للمساعدات، ووجود قيود إسرائيلية على المواد المسموح بها.

❖ أبعاد قانونية: هل المؤسسة خاضعة للمحاسبة؟

تشير تصريحات وزارة الخارجية السويسرية إلى أن الهيئة الاتحادية للإشراف على المؤسسات لا تستطيع التدخل أو مراجعة مدى التزام المؤسسة بالقوانين قبل أن تبدأ أنشطتها رسميًا. وهذا يعني أن المؤسسة قد تكون قد تجاوزت بعض المتطلبات القانونية في مرحلة التأسيس، ما يفتح الباب لاحتمال فرض غرامات أو حتى تعليق أنشطتها في حال ثبتت المخالفات.

كما أن التحقيقات الحالية قد تشمل ما إذا كانت "مؤسسة إغاثة غزة" أفصحت عن مصادر تمويلها، وهويات شركائها الأمنيين، وأهدافها التشغيلية الحقيقية، خاصة أن بعض الجهات تتهمها بأنها غطاء لنفوذ سياسي أميركي داخل غزة.

❖ من هي "مؤسسة إغاثة غزة"؟

رغم تصدرها العناوين في الأيام الأخيرة، لا تزال المعلومات المتاحة عن المؤسسة قليلة. فهي كيان مسجل في سويسرا، مدعوم من مؤسسات أميركية خاصة، وتُعرّف نفسها على أنها منظمة غير ربحية تسعى لتأمين الغذاء والماء والدواء لسكان غزة المحاصرين.

لكن خصومها يشككون في حيادها، ويعتبرونها جزءًا من استراتيجية أميركية لخلق بديل عن وكالة الأونروا، التي تتعرض لضغوط شديدة منذ بداية الحرب، وقطع بعض الدول الغربية لتمويلها على خلفية مزاعم إسرائيلية بشأن تعاون بعض موظفيها مع حماس.

❖ مخاوف النزوح القسري

أحد أبرز المخاوف التي أبدتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة هو أن خطة "مؤسسة إغاثة غزة" قد تؤدي بشكل غير مباشر إلى تشجيع أو تسهيل النزوح القسري، من خلال إعادة توزيع المساعدات في مناطق محددة دون غيرها، ما يدفع السكان إلى الهجرة القسرية للبحث عن المساعدة.

وهذه النقطة تمثل انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يُجرّم أي فعل يؤدي إلى نقل السكان قسرًا، حتى ولو كان تحت غطاء الإغاثة أو الأمن.

❖ ماذا بعد؟ سيناريوهات محتملة

في ظل استمرار التحقيقات السويسرية وتنامي الجدل الدولي، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة:

  1. تجميد أنشطة المؤسسة في حال ثبتت المخالفات القانونية، خاصة المتعلقة بشركات الأمن الخاصة.

  2. فرض قيود تشغيلية على المؤسسة من قبل سويسرا، مثل الإلزام بالإفصاح المالي والتعاقدي الكامل.

  3. دخول المنظمات الدولية على خط الإشراف على عمليات المؤسسة، كنوع من التحقق المستقل.

  4. سحب الاعتراف الدولي بها، إذا رأت الأمم المتحدة أنها تشكل خطرًا على الأمن الإنساني.

  5. استمرار المؤسسة بالعمل بدعم أميركي مباشر، رغم الانتقادات، مع إعادة صياغة خطتها التشغيلية لتقليل الجدل.

❖ أزمة إنسانية في غياب حلول واضحة

في المحصلة، وبين اتهامات بعدم الحياد، وتحقيقات قانونية، واعتراضات أممية، يبقى المتضرر الحقيقي هو سكان غزة الذين يعيشون في أوضاع مأساوية. فأي تعقيد في منظومة المساعدات يؤدي مباشرة إلى تفشي الجوع، والمرض، والانهيار الصحي الكامل.

ويتطلب الأمر من المجتمع الدولي العمل بشكل عاجل ومنسق لضمان حيادية وأمان قنوات الإغاثة، بعيدًا عن الحسابات السياسية أو الصراعات القانونية، لأن استمرار هذا الوضع من دون حلول واضحة سيقود إلى كارثة إنسانية أشمل.


تعليقات