تحذيرات متزايدة تجاه إسرائيل.. هل أيقظ أطفال غزة ضمير العالم؟

السعودية تقود تحركًا دبلوماسيًا وإنسانيًا لإحياء السلام في غزة وسط تصاعد الضغط الدولي

السعودية غزة، موقف السعودية من الحرب، مساعدات غزة، مبادرة حل الدولتين، المجتمع الدولي غزة، الدعم الإنساني غزة، الحرب الإسرائيلية، مبادرة السعودية للسلام، أزمة غزة الإنسانية، التدخل الدولي غزة

في ظل التدهور الإنساني غير المسبوق في قطاع غزة، تواصل المملكة العربية السعودية تأكيد موقفها الثابت من الحرب، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، وإعادة إحياء مبادرات السلام وفقًا لحل الدولتين. وقد أدت هذه المواقف الصلبة والمعلنة إلى إحداث تحولات تدريجية في مواقف بعض الدول الغربية تجاه التصعيد الإسرائيلي في القطاع.

وكانت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا قد أصدرت بيانًا مشتركًا مؤخرًا، طالبت فيه إسرائيل بالسماح الفوري والآمن بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقد أكد البيان الثلاثي أن الأطفال في القطاع يعانون من كارثة إنسانية مروعة لا يمكن تجاهلها، محذرين من أن استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى نتائج كارثية لا يمكن التنبؤ بها على الصعيد الإقليمي والدولي.

الغرب يتحرك بعد ضغوط متصاعدة

البيان الغربي الأخير لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة تراكم الضغوط الحقوقية والإنسانية، إلى جانب تحركات سياسية بقيادة السعودية، دعت فيها المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في ظل ما يحدث من تجاوزات في قطاع غزة. وقد أشارت منظمات دولية، أبرزها الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إلى أن أكثر من 60٪ من الضحايا في غزة هم من الأطفال والنساء، وأن المجاعة ونقص الأدوية يشكلان خطرًا يوميًا على حياة عشرات الآلاف.

بالتزامن مع هذا البيان، أعربت رابطة العالم الإسلامي عن ترحيبها بالموقف المشترك لبريطانيا وفرنسا وكندا، واصفة إياه بأنه خطوة أخلاقية مهمة يجب أن تليها إجراءات ملموسة، بما في ذلك فرض عقوبات موجهة إذا استمرت إسرائيل في عملياتها العسكرية، وبناء المستوطنات، ومنع إدخال المساعدات.

خطاب سعودي متزن ومبادرات ملموسة

منذ اندلاع الحرب، اتسم الموقف السعودي بالثبات والاتزان. فقد دأبت وزارة الخارجية السعودية على إصدار بيانات تدين فيها بشدة استهداف الأحياء السكنية والمدنيين، ولا سيما الأطفال، مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف التصعيد والانتهاكات.

وفي المجال الإغاثي، قاد مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية جهودًا ضخمة، شملت إرسال عشرات القوافل المحمّلة بالأدوية والمواد الغذائية إلى غزة عبر معبر رفح، بالتنسيق مع السلطات المصرية والمنظمات الدولية. وأكدت تقارير الأمم المتحدة أن الوضع الصحي في القطاع بلغ حدًا لا يُحتمل، واصفة المشهد بـ"الكارثي وغير المستدام".

المحلل السياسي السعودي عبد الرحمن المهلكي، أشار إلى أن الموقف السعودي يعبّر عن قدرة المملكة على الفصل بين المواقف السياسية المبدئية ومواقفها من الحركات المتطرفة. وقال: "رغم أن السعودية كانت قد صنّفت حماس كمنظمة إرهابية، فإنها الآن تتعامل مع الوضع الإنساني في غزة من منطلق أخلاقي وإنساني، دون تسييس أو تصفية حسابات".

مبادرة سياسية لإنقاذ حل الدولتين

ولم تقتصر التحركات السعودية على الجوانب الإنسانية، بل امتدت إلى طرح مبادرات سياسية ذات طابع شمولي تهدف إلى حل جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد دعت المملكة إلى إنشاء تحالف دولي لدعم تنفيذ حل الدولتين، مؤكدة أن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق دون اعتراف المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي تصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال اجتماع للتحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين في المغرب، شدد على أن "الأمن الدائم في الشرق الأوسط يمر عبر معالجة أسباب الصراع وليس عبر إدارة تبعاته". وأضاف أن السعودية ترفض النهج الذي يستند إلى الحلول الجزئية أو المؤقتة التي لا تعالج جوهر القضية الفلسطينية.

ردود غربية متسارعة

نتيجة لهذا الموقف السعودي، المدعوم بتحرك دول عربية أخرى، بدأت العواصم الغربية تتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل. ففي الاتحاد الأوروبي، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس أن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل ستخضع للمراجعة، مشيرة إلى الوضع "الكارثي" في غزة. ويُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإسرائيل، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين الطرفين 42.6 مليار يورو عام 2024.

من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، واستدعت سفيرتها لدى تل أبيب، احتجاجًا على تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية. كما أفادت تقارير إعلامية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبلغت الحكومة الإسرائيلية بأن استمرار الحرب في غزة قد يؤدي إلى تخلي واشنطن عنها دبلوماسيًا وعسكريًا، إذا لم تتجاوب مع جهود التهدئة.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن إدارة ترامب أرسلت رسائل واضحة مفادها أن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس مطلقًا، وقد يكون مشروطًا بوقف العمليات في غزة والدخول في مفاوضات سلام جدية.

السعودية تنظم مؤتمرًا دوليًا لإحياء عملية السلام

وتستعد السعودية بالتنسيق مع فرنسا لعقد مؤتمر دولي في يونيو المقبل، بهدف إحياء مفاوضات السلام، وتحريك الجمود السياسي القائم منذ سنوات. وأكدت مصادر دبلوماسية أن المؤتمر سيضم ممثلين من الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إضافة إلى منظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة، للبحث في آليات تنفيذ حل الدولتين، وتوفير ضمانات دولية لإعادة إعمار غزة، ووقف بناء المستوطنات.

كما أعربت اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن غزة، برئاسة السعودية، عن دعمها الكامل للموقف الأوروبي الثلاثي، مؤكدة ضرورة اتخاذ مواقف حازمة لوقف استخدام الحصار والمساعدات كسلاح ضد المدنيين.

وجاء في بيان اللجنة أن "الحرمان المتعمد من الإمدادات الحيوية، واستخدام المساعدات كسلاح، دفع السكان في غزة إلى حافة المجاعة، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني".

رؤية إنسانية لا تتجزأ

ويؤكد المحللون أن الرؤية السعودية للصراع ترتكز على ثلاثة أبعاد متكاملة: البُعد الإنساني، الذي يتمثل في التحركات الإغاثية والإدانات المتكررة لجرائم الحرب، والبُعد القانوني، من خلال التأكيد على أهمية الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، والبُعد السياسي، من خلال المبادرات الهادفة لإحياء عملية السلام وإنهاء الاحتلال.

ويضيف المهلكي أن السعودية لا تكتفي بإطلاق التصريحات، بل تترجم مواقفها إلى أفعال، ما أكسبها احترامًا وتقديرًا دوليًا. ويتابع: "المفارقة أن الرياض، التي لطالما اتُهمت بالتحفظ، هي اليوم صاحبة الصوت الأعلى في الدفاع عن المدنيين في غزة، والأكثر نشاطًا في إطلاق مبادرات حقيقية قابلة للتنفيذ".

هل يتحول الغضب الدولي إلى ضغط حقيقي؟

تبقى التحديات كبيرة أمام تحويل المواقف الدولية إلى خطوات عملية على الأرض، لكن المراقبين يرون أن الموقف السعودي أحدث فارقًا في تشكيل وعي دولي جديد تجاه ما يحدث في غزة. ومع ازدياد الضغوط على حكومة نتنياهو داخليًا وخارجيًا، تبرز فرصة نادرة لإعادة فتح مسار سياسي يمكن أن يضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين ويعيد الاعتبار للشرعية الدولية.

وفي الختام، فإن الدور السعودي في ملف غزة، سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي، يعكس تحولًا مهمًا في طريقة تعامل المملكة مع الأزمات الإقليمية، ويؤكد أن سياسة "التأثير الهادئ" التي تنتهجها الرياض تؤتي ثمارها في ملفات شديدة التعقيد، وتعيد للمنطقة أملًا طال انتظاره في تحقيق السلام والاستقرار.


تعليقات