الأونروا: خطة إسرائيل المقترحة لمساعدات غزة لن تنجح

المساعدات إلى غزة  فيليب لازاريني والأونروا  خطة إسرائيل للمساعدات  المجاعة في غزة  معبر كرم أبو سالم  انتقادات الأمم المتحدة لإسرائيل  أزمة غزة الإنسانية  برنامج الأغذية العالمي غزة  توزيع المساعدات في الحروب  المعايير الإنسانية الدولية

في ظل الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، ومع دخول عدد محدود من شاحنات الإغاثة عبر معبر كرم أبو سالم، أطلق مسؤولون أمميون تحذيرات صارخة بشأن خطورة الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات. حيث شدد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، على أن المقترح الإسرائيلي لا يرقى إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، مؤكدًا أنه لن ينجح في تلبية احتياجات السكان المنكوبين.

وقال لازاريني في بيان نشرته الأونروا عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك يوم السبت، إن المنظمات الإنسانية التي تحترم المبادئ الأساسية للعمل الإغاثي، لا يمكنها الالتزام بمخطط تم تصميمه، في رأيه، لدعم أهداف عسكرية أكثر من كونه يعكس حرصًا على الاعتبارات الإنسانية.

تصعيد القتال يعقّد عمليات الإغاثة

يتزامن هذا الانتقاد مع تصاعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على مختلف مناطق غزة، حيث وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الجمعة، الوضع الحالي في القطاع بأنه يمثل "أحد أكثر الفصول وحشية في هذا النزاع الدامي". وأضاف أن الفلسطينيين في غزة يعيشون تحت وقع الموت والدمار على نطاق غير مسبوق، في وقت ما تزال فيه المساعدات محدودة للغاية مقارنة بالحاجة الملحة.

وقد أشار غوتيريش إلى أنه، من بين نحو 400 شاحنة مساعدات تم السماح لها بالدخول إلى غزة عبر كرم أبو سالم خلال الفترة الماضية، لم تتمكن سوى 115 شاحنة من إيصال الإمدادات فعليًا إلى مستحقيها، نتيجة الفوضى الأمنية ونهب بعض القوافل، بما في ذلك نهب 15 شاحنة بمجرد دخولها القطاع.

مساعدات محدودة بعد انقطاع طويل

تجدر الإشارة إلى أن هذه المساعدات تم السماح بدخولها يوم الاثنين الماضي، وهي المرة الأولى التي يُسمح فيها بدخول مساعدات إلى غزة منذ أكثر من شهرين، وذلك عقب انهيار الهدنة المؤقتة في مارس الماضي. غير أن الكمية التي وصلت لا تزال بعيدة عن تلبية احتياجات أكثر من مليوني شخص، يعيشون تحت وطأة الحصار والقصف المستمر.

إسرائيل تفرض آلية بديلة "غير إنسانية"

وفي خطوة مثيرة للجدل، تسعى إسرائيل إلى تغيير آلية توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، عبر إنشاء مراكز توزيع خاضعة لإشراف الجيش الإسرائيلي. وقد أثارت هذه المبادرة انتقادات واسعة من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية وإنسانية، اعتبرتها محاولة للسيطرة على الإغاثة وحرمان فئات سكانية واسعة، وخاصة كبار السن وذوي الإعاقة، من الحصول على المساعدات.

وتؤكد الأمم المتحدة أن الآلية المقترحة تعرقل عمل وكالات الإغاثة، وتتناقض مع المعايير الدولية، خاصة وأنها تستند إلى اعتبارات أمنية وعسكرية أكثر منها إنسانية. كما أنها تكرّس حالة من التمييز وتهميش فئات مستضعفة، في وقت يعاني فيه معظم السكان من الجوع وسوء التغذية.

تحذيرات من مجاعة وشيكة
المساعدات إلى غزة  فيليب لازاريني والأونروا  خطة إسرائيل للمساعدات  المجاعة في غزة  معبر كرم أبو سالم  انتقادات الأمم المتحدة لإسرائيل  أزمة غزة الإنسانية  برنامج الأغذية العالمي غزة  توزيع المساعدات في الحروب  المعايير الإنسانية الدولية

وفي هذا السياق، أصدر برنامج الأغذية العالمي تحذيرًا شديد اللهجة، مفاده أن ما يقرب من مليوني شخص في غزة معرضون لخطر المجاعة، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لضمان تدفق المساعدات بشكل حر ومنظم. وأكد البرنامج أن هناك مؤشرات مقلقة على تدهور الأوضاع الغذائية، خاصة في المناطق الشمالية من القطاع، التي باتت شبه معزولة عن باقي مناطق غزة نتيجة العمليات العسكرية.

وأشار التقرير الصادر عن البرنامج إلى أن أكثر من نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، حيث يضطر الكثيرون للبقاء أياما دون طعام أو الاعتماد على وجبة واحدة يوميًا لا تحتوي على الحد الأدنى من السعرات الحرارية المطلوبة.

فقدان الثقة بآلية التنسيق الحالية

وتثير الطريقة التي تتم بها عملية تنسيق دخول وتوزيع المساعدات تساؤلات كبيرة حول مدى فعاليتها وحياديتها. حيث تؤكد منظمات الإغاثة الدولية، ومنها الصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود، أن التدخل العسكري الإسرائيلي في عملية التوزيع يقوض استقلالية العمل الإنساني، ويُضعف ثقة السكان بالمساعدات، ما يؤدي أحيانًا إلى رفض استقبالها أو مهاجمتها.

وقد شهدت بعض شاحنات الإغاثة، بحسب تقارير ميدانية، هجمات من قبل مدنيين غاضبين أو جماعات مسلحة، بسبب شعورهم بالإقصاء أو استيائهم من توزيع المساعدات في أماكن محددة دون شفافية أو عدالة.

ازدواجية المعايير الدولية

في موازاة هذه التطورات، تنتقد منظمات حقوقية ما تصفه بازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع الوضع الإنساني في غزة. وتتهم بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين، سواء من خلال الاستهداف المباشر أو عبر سياسة الحصار والتجويع الجماعي، في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.

وقد دعت هذه المنظمات المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل من أجل السماح بمرور آمن وكافٍ للمساعدات، دون تدخلات أمنية أو سياسية، والتوقف عن استخدام الغذاء والدواء كسلاح حرب.

أمل ضئيل في التهدئة

في ظل هذا المشهد القاتم، تلوح بوادر خافتة لمحاولات وساطة دولية تهدف إلى إعادة تفعيل قنوات الحوار، بهدف الوصول إلى وقف إطلاق نار مؤقت يتيح إدخال مساعدات على نطاق أوسع. غير أن مصادر دبلوماسية تعتبر أن الأمل لا يزال ضعيفًا في ظل تصلب المواقف السياسية، وتزايد الحديث الإسرائيلي عن "حسم المعركة عسكريًا" في شمال غزة، بينما تصر حركة حماس على شروطها المتعلقة برفع الحصار وضمانات دولية لحماية المدنيين.

مشاهد مؤلمة من الميدان

المساعدات إلى غزة  فيليب لازاريني والأونروا  خطة إسرائيل للمساعدات  المجاعة في غزة  معبر كرم أبو سالم  انتقادات الأمم المتحدة لإسرائيل  أزمة غزة الإنسانية  برنامج الأغذية العالمي غزة  توزيع المساعدات في الحروب  المعايير الإنسانية الدولية

ميدانيًا، ما تزال الصور القادمة من قطاع غزة تعكس حجم الكارثة الإنسانية، حيث تظهر طوابير طويلة من المدنيين أمام مراكز التوزيع القليلة المتاحة، وغالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن. ويُشاهد البعض وهم يتقاتلون على أكياس الطحين أو عبوات الماء، في مشاهد تعيد إلى الأذهان مآسي المجاعات الكبرى عبر التاريخ.

كما تداولت وسائل الإعلام تقارير عن أطفال توفوا بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية، فيما يحذر الأطباء من تفشي أمراض سوء التغذية على نطاق واسع في الأسابيع المقبلة، إذا لم يحدث تدخل فوري ومنظم.

 هل من استجابة حقيقية؟

أمام هذا الوضع الإنساني الكارثي، تتجه الأنظار إلى المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى الاستعداد لاتخاذ خطوات عملية تتجاوز التصريحات والشجب، لضمان الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لسكان غزة.

ومع استمرار شحّ المساعدات والقيود الإسرائيلية المفروضة على توزيعها، تبقى حياة الملايين معلقة على خيط رفيع من الأمل، في انتظار أن يتغلب الضمير الإنساني على الحسابات السياسية والعسكرية.

تعليقات