إسرائيل تسحب وفد التفاوض: وصلنا لطريق مسدود

إسرائيل تنسحب من مفاوضات قطر وتواصل التصعيد العسكري في غزة

نتنياهو قطر غزة، وقف إطلاق النار غزة، المفاوضات مع حماس، مفاوضات الأسرى، الحرب في غزة، المساعدات إلى غزة، انسحاب الوفد الإسرائيلي، التصعيد الإسرائيلي، أزمة غزة 2025، عمليات إسرائيل العسكرية

في خطوة تعكس انسداد الأفق السياسي واستمرار التصعيد الميداني، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سحب الوفد الإسرائيلي بالكامل من العاصمة القطرية الدوحة، حيث تجري مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس بوساطة قطرية ومصرية وأميركية.

القرار الإسرائيلي المفاجئ جاء بعد ما وصفته تل أبيب بـ"استمرار الجمود" في المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يشمل كذلك صفقة تبادل الأسرى بين الجانبين.

المفاوضات تصل لطريق مسدود

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية، فإن مسؤولًا إسرائيليًا أكد أن المباحثات وصلت إلى طريق مسدود، في ظل عدم وجود تجاوب واضح من حركة حماس مع المقترحات المطروحة.

وتشير المصادر إلى أن إسرائيل كانت تأمل في التوصل إلى اتفاق مبدئي يحقق لها مكاسب استراتيجية، أبرزها استعادة بعض الرهائن الأحياء الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وأضاف المسؤول ذاته أن تل أبيب لا تزال منفتحة على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن ذلك مرهون بموافقة حماس على مقترح "ديفيد ويتكوف"، الذي يتضمن إطلاق سراح نحو نصف عدد الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل وقف إطلاق نار لمدة تتجاوز 40 يومًا، والسماح بدخول مساعدات إنسانية بشكل مكثف، والدخول في مفاوضات لاحقة بشأن إنهاء الحرب بشكل كامل.

عودة الوفد بعد أسبوع من المحادثات "المكثفة"

وكان نتنياهو قد أعلن في وقت سابق أن أعضاءً رفيعي المستوى من فريق التفاوض عادوا إلى إسرائيل بعد أسبوع من المحادثات المكثفة في الدوحة، مشيرًا إلى أن هذه المباحثات لم تسفر عن نتائج ملموسة.

وبالرغم من الانسحاب الرسمي، بقي عدد من الممثلين على المستوى الفني في العاصمة القطرية، بحسب ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في مؤشر على أن القنوات الدبلوماسية لم تُغلق تمامًا، ولكنها دخلت مرحلة جمود حرجة.

استمرار العمليات العسكرية وتصعيد ميداني جديد

بالتزامن مع انسحاب الوفد من الدوحة، صعّدت إسرائيل من عملياتها العسكرية في شمال قطاع غزة، حيث وجه الجيش الإسرائيلي تحذيرات لسكان 14 حيًا في المناطق الشمالية، مطالبًا إيّاهم بإخلاء منازلهم فورًا تحسبًا لهجوم بري وجوي وشيك.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي، في بيان نشره عبر منصة "X"، إن المناطق المستهدفة، بما في ذلك مشروع بيت لاهيا، معسكر جباليا، وحي الشيخ زايد، تُعد "مناطق قتال خطيرة"، مشيرًا إلى أن القوات الإسرائيلية ستعمل فيها "بقوة شديدة" خلال الساعات القادمة.

وفي الوقت ذاته، رصد مراسلو القنوات الإخبارية تحركات كثيفة للدبابات الإسرائيلية في محيط شرقي وشمالي القطاع، ما يُنذر بموجة جديدة من التصعيد قد تؤدي إلى مزيد من الضحايا المدنيين، وتدهور إضافي للوضع الإنساني المتردي أصلًا في غزة.

أزمة المساعدات الإنسانية تتفاقم

رغم التصعيد العسكري، أعلنت إسرائيل السماح بدخول 100 شاحنة من المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، بعدما سمحت سابقًا بمرور 93 شاحنة يوم الثلاثاء، و10 شاحنات فقط يوم الاثنين.

لكن هذا الإعلان لم يمر دون عراقيل، إذ تجمّع عشرات الناشطين الإسرائيليين صباح الخميس في ميناء أشدود جنوبي البلاد، في محاولة لمنع شاحنات المساعدات من الوصول إلى القطاع. ورفع المحتجون الأعلام الإسرائيلية، مرددين شعارات تطالب بمنع إدخال الإمدادات التي يعتبرونها "دعمًا للإرهاب".

وأظهرت مقاطع الفيديو من موقع التظاهر مشادات بين المتظاهرين والشرطة، في حين قالت هيئة البث الإسرائيلية إن السلطات الأمنية تدخلت لتأمين مرور الشاحنات، التي كانت جزءًا من التزامات تل أبيب تجاه المجتمع الدولي.

انهيار الهدنة الهشة يعيد الحصار إلى الواجهة

ويُذكر أن إسرائيل كانت قد فرضت منذ مارس الماضي حصارًا مشددًا على قطاع غزة بعد انهيار هدنة هشة استمرت قرابة الشهرين، متهمة حركة حماس بالاستيلاء على المساعدات وتوظيفها لأغراض عسكرية. وهي اتهامات تنفيها الحركة بشدة، وتعتبرها "مبررًا زائفًا" لمواصلة خنق السكان المحاصرين.

وفي السياق ذاته، تقول مصادر أممية إن إدخال المساعدات لا يزال دون الحد الأدنى المطلوب لإبقاء السكان على قيد الحياة، مشيرة إلى أن أكثر من مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة، في ظل تدمير واسع للبنية التحتية وانهيار النظام الصحي.

قتلى وجرحى بالمئات والحصيلة ترتفع يوميًا

مع عودة العمليات العسكرية وتكثيف الضربات الجوية والبرية، ارتفعت حصيلة الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 52,862 قتيلًا منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، بينهم آلاف النساء والأطفال.

ومنذ استئناف إسرائيل عملياتها في 18 مارس، قُتل ما لا يقل عن 2,749 فلسطينيًا، وسط صمت دولي متزايد وتحذيرات أممية من انهيار كامل للوضع الإنساني.

في المقابل، يؤكد الجيش الإسرائيلي أن 57 من مواطنيه لا يزالون محتجزين في غزة، من بينهم 34 أُعلن عن مقتلهم. وتُعتبر هذه القضية من أبرز الملفات التي تعرقل التوصل إلى أي اتفاق، إذ تصر الحكومة الإسرائيلية على استعادة الرهائن قبل قبول أي وقف دائم لإطلاق النار.

انقسام داخلي في إسرائيل حول إدارة الحرب

في الداخل الإسرائيلي، تتصاعد الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو بسبب ما يعتبره معارضوه "سوء إدارة" للملف الأمني والسياسي في غزة. وقد أعربت شخصيات بارزة في المؤسسة العسكرية والسياسية، عن قلقها من أن استمرار الحرب دون أفق سياسي واضح سيؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية، وربما إلى تصعيد أكبر في الجبهات الأخرى، لا سيما جنوب لبنان.

وأشارت تقارير إسرائيلية إلى وجود خلافات داخل المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت"، حول جدوى مواصلة العمليات في غزة، في ظل الضغوط الأميركية والأوروبية المتزايدة لوقف الحرب والدخول في مفاوضات جدية بشأن تسوية شاملة.

سيناريوهات المرحلة القادمة

وسط هذا المشهد المعقّد، تبقى السيناريوهات مفتوحة على أكثر من احتمال. فمن جهة، تلوح في الأفق بوادر تصعيد جديد قد يمتد إلى الجنوب اللبناني، خصوصًا في ظل القصف المتبادل مع حزب الله. ومن جهة أخرى، قد تؤدي الضغوط الدولية إلى فرض وقف إطلاق نار مؤقت يعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض، خاصة إذا حدث اختراق في ملف الأسرى.

لكن المحللين يجمعون على أن الوضع في غزة دخل مرحلة خطيرة تتطلب تحركًا عاجلًا على المستويين السياسي والإنساني، لأن استمرار الجمود الحالي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدماء والانهيار الإنساني، ما سيضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات تاريخية.

تعليقات