إسرائيل: العمليات في غزة هدفها إعادة حماس لطاولة المفاوضات

 

الجيش الإسرائيلي يطلق عملية "عربات جدعون" في غزة ويدعو سكان مناطق جنوبية للإخلاء الفوري.

في تطور جديد على صعيد العمليات العسكرية في قطاع غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الأحد، إطلاق مرحلة جديدة من حملته العسكرية تحت اسم "عملية عربات جدعون"، مشيراً إلى أنها تأتي في إطار السعي لتحقيق الأهداف التي حددها المستوى السياسي الإسرائيلي وعلى رأسها الضغط على حركة حماس للعودة إلى طاولة المفاوضات، فضلاً عن ضمان الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين داخل القطاع منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي، إن العمليات العسكرية الجارية تهدف بالدرجة الأولى إلى إجبار حركة حماس على القبول بالعودة إلى مفاوضات غير مباشرة، مشيراً إلى أن الجدول الزمني للعمليات العسكرية خاضع لتغيّرات الموقف السياسي والميداني.

وفي الوقت ذاته، أطلق الجيش إنذارات مباشرة لسكان مناطق عدة في جنوب قطاع غزة، وطالبهم بإخلاء منازلهم على وجه السرعة قبل شن غارات جوية وبرية جديدة. وذكر البيان العسكري: "إلى جميع السكان في منطقة القرارة، بلدية السلقا، جنوب دير البلح، وأحياء الجعفراوي، السوار، أبو هداب والسطر، هذا تحذير أخير قبل بدء الهجوم. نرجو منكم الانتقال فوراً نحو مراكز الإيواء في منطقة المواصي من أجل سلامتكم".

وتُعتبر هذه التحذيرات دليلاً واضحاً على نية الجيش توسيع نطاق عملياته، خاصة في جنوب القطاع الذي كان حتى وقت قريب أقل استهدافاً مقارنة بالشمال، وهو ما يثير قلقاً متزايداً لدى السكان المدنيين والمنظمات الإنسانية.

حملة "عربات جدعون" تمتد شمالاً وجنوباً

أفادت مصادر عسكرية إسرائيلية بأن العملية الجديدة تشمل مشاركة قوات برية على جبهتين: في شمال غزة حيث لا تزال هناك جيوب مقاومة، وفي جنوبها، وتحديداً في المناطق التي يُعتقد أنها تضم بنى تحتية عسكرية لحماس وأنفاقاً سرية.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صرح في وقت سابق بأن الحملة العسكرية المكثفة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف إستراتيجية، في مقدمتها تعزيز الضغط العسكري على قيادة حماس، والضغط الميداني لتحسين شروط التفاوض بشأن الرهائن، بالإضافة إلى تقويض القدرات القتالية واللوجستية لحماس تمهيداً لنزع سلاحها بالكامل.

وساطة ثلاثية جديدة: مصر وقطر والولايات المتحدة

بالتزامن مع التصعيد العسكري، تجري حالياً جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة ثلاثية تضم مصر وقطر والولايات المتحدة. وبدأت هذه الجولة يوم السبت في العاصمة القطرية الدوحة، حيث يشارك وفد إسرائيلي تفاوضي في مساعٍ جديدة للتوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام.

وبحسب ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الوفد يدرس مقترحين: الأول قدمه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، والثاني يتمثل في رؤية شاملة لإنهاء الحرب، تتضمن نفي قيادات حماس إلى الخارج ونزع سلاح الحركة، وإعادة هيكلة الحكم في غزة تحت إشراف دولي.

في السياق ذاته، أشار مكتب نتنياهو إلى أن "إسرائيل ملتزمة باستنفاد كل الفرص الممكنة للوصول إلى اتفاق، لكنها في الوقت ذاته تضع في حسابها إمكانية الفشل، وهو ما قد يؤدي إلى توسيع العمليات العسكرية بصورة أكبر".

موقف حماس: الإفراج مقابل التهدئة وليس إنهاء الحرب

في المقابل، عبّر مسؤول في حركة حماس عن تشاؤمه بشأن هذه الجولة، قائلاً لوكالة "رويترز": "الموقف الإسرائيلي لم يتغير، هم يريدون استعادة أسراهم من دون أي التزام بإنهاء الحرب". وأضاف أن الحركة لا ترى جدية في الطرح الإسرائيلي، معتبرة أن ما يُعرض حتى الآن لا يضمن الحد الأدنى من مطالب المقاومة.

وتسود أجواء من الشك حول نجاح الجولة الحالية في ظل غياب توافق واضح على المسائل الجوهرية، وخاصة فيما يتعلق بمصير قيادات حماس داخل غزة، وآليات نزع السلاح، والمشاركة في إعادة إعمار القطاع.

التوتر يتصاعد والعمليات مستمرة

ومنذ إعلان الجيش الإسرائيلي عن بدء "عربات جدعون"، تم رصد تصاعد في العمليات الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة، خصوصاً في دير البلح والقرارة، حيث تشير التقارير إلى قصف مكثف للبنى التحتية والأنفاق.

وتحذر منظمات حقوق الإنسان من أن التصعيد قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة، تفاقم من الأزمة الإنسانية القائمة في القطاع، الذي يعيش أكثر من مليوني شخص في ظروف صعبة مع انقطاع واسع في الكهرباء والماء وشح في المواد الغذائية والطبية.

إسرائيل: لسنا طرفاً في أي اتفاق مع حماس

في ضوء الوساطة الأميركية-القطرية-المصرية، أوضح مسؤول أمني إسرائيلي أن بلاده لا تعتبر نفسها ملزمة بأي اتفاق تتوصل إليه الولايات المتحدة مع حماس، مشيراً إلى أن تل أبيب تواصل العمل العسكري ضد ما تعتبره تهديدات مباشرة لأمنها، سواء في غزة أو خارجها، في إشارة إلى التصعيد الأخير مع الحوثيين في اليمن وتهديدات حزب الله في لبنان.

وأكد المسؤول أن "كل ما يُطرح من حلول لا يتضمن نزع سلاح حماس وتفكيك بنيتها العسكرية لن يكون مقبولاً على الإطلاق".

يمكن القول إن العملية الجديدة التي أطلقتها إسرائيل في غزة تمثل تصعيداً واضحاً، وتهدف في المقام الأول إلى تعديل ميزان القوى على الأرض لصالحها، قبل أي تسوية سياسية محتملة. وبينما تسعى القاهرة والدوحة وواشنطن لإنهاء دوامة العنف عبر مفاوضات شاقة، تواصل تل أبيب إرسال رسائل نارية تؤكد أنها لن تقبل بحل لا يتضمن تفكيك القدرات العسكرية لحماس وإعادة الرهائن دون قيد أو شرط.

وما بين تصاعد العمليات البرية وازدواجية المواقف السياسية، يظل المدنيون في غزة هم الحلقة الأضعف في هذا الصراع المفتوح، والذي يزداد تعقيداً مع كل يوم يمضي دون اتفاق.

تعليقات