.webp)
بعد سلسلة من الاشتباكات الدامية بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، شهدت الحدود المشتركة بين البلدين ليلة الأحد أول ليلة هادئة منذ اندلاع أعنف مواجهة عسكرية بين الطرفين خلال ما يقرب من ثلاثين عامًا. هذا التطور يأتي عقب إعلان وقف لإطلاق النار في منطقة الهيمالايا، حيث يتنازع الطرفان السيادة على إقليم كشمير منذ عقود طويلة.
هدوء نسبي وتأجيل المحادثات
الجيش الهندي أعلن اليوم الاثنين عن تأجيل الاجتماع المقرر بين قائدي العمليات العسكرية في الهند وباكستان، والذي كان من المنتظر أن يُعقد لبحث الخطوات المقبلة عقب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة جاءت في أعقاب ما وصفه بـ"التحفظات التشغيلية"، بينما لم تصدر إسلام آباد أي تعليق رسمي على تأجيل المحادثات حتى اللحظة.
ورغم بعض الخروقات المحدودة في الساعات الأولى من إعلان الهدنة، أكد الجيش الهندي أن الليلة الماضية مرت بهدوء تام، دون تسجيل أي حوادث إطلاق نار أو قصف مدفعي. كما لفت إلى أن الهدوء النسبي دفع إلى التخفيف من بعض الإجراءات الأمنية، إلا أن المدارس القريبة من مناطق التوتر لا تزال مغلقة كإجراء احترازي.
وساطة أمريكية وجهود دولية
وجاء التوصل إلى الهدنة بوساطة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تدخل في اللحظة الحرجة بعد أربعة أيام من التصعيد العسكري الكثيف بين البلدين. وأثنت باكستان على الدور الأمريكي، معربة عن ترحيبها بأي مبادرة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك استعدادها لقبول وساطة دولية بشأن النزاع في كشمير. في المقابل، رفضت الهند أي تدخل خارجي، مؤكدة أن النزاعات مع باكستان يجب أن تُحل بشكل ثنائي ودون أطراف ثالثة.
انتهاكات متبادلة وتحذيرات حادة
في أعقاب الهدنة، أرسل الجيش الهندي عبر "الخط الساخن" رسالة إلى نظيره الباكستاني، يطالب فيها بالتحقيق في خروقات مزعومة للهدنة، مشددًا على أن نيودلهي سترد بقوة إذا تكررت هذه الانتهاكات. وأشار متحدث عسكري هندي إلى أن القوات المسلحة في أعلى درجات الجاهزية للرد على أي تهديد.
من جانبها، نفت باكستان بشكل قاطع حدوث أي خروقات من جانبها، مشيرة إلى التزامها الكامل ببنود الاتفاق، وأكدت أن قواتها تمارس أقصى درجات ضبط النفس رغم "الاستفزازات الهندية المتكررة".
سقوط ضحايا وتصاعد التوتر
وقد شهد الأسبوع الماضي تبادلًا عنيفًا للقصف الصاروخي والمدفعي على جانبي الحدود، أسفر عن مقتل عشرات المدنيين والعسكريين، وفق مصادر محلية وتقارير إعلامية. وتركزت الهجمات على المنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية، وهو ما أثار قلق المجتمع الدولي من احتمال انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة بين دولتين نوويتين.
وأعلنت الهند أنها نفذت غارات جوية وصاروخية على تسعة أهداف عسكرية قالت إنها مواقع "للبنية التحتية للإرهاب" في باكستان ومنطقة كشمير الخاضعة لسيطرتها. لكن إسلام آباد ردت بأن هذه المواقع كانت مدنية، ووصفت الغارات بأنها "عدوان سافر" يستوجب الإدانة الدولية.
هجوم سابق يشعل الأزمة
وكانت جذور التصعيد الأخير قد بدأت بعد اتهام الهند لباكستان بالوقوف خلف هجوم استهدف حافلة تقل سياحًا في منطقة كشمير، أسفر عن مقتل 26 شخصًا. وقد نفت إسلام آباد هذه التهمة بشكل قاطع، وطالبت بإجراء تحقيق دولي محايد للكشف عن الجهة الفعلية التي تقف وراء الهجوم.
ورغم التوتر المستمر، شددت باكستان على أنها لا تقدم سوى الدعم السياسي والدبلوماسي للانفصاليين في كشمير، في حين تصر الهند على أن باكستان تُمثل ملاذًا آمنا للجماعات المسلحة التي تنفذ عمليات في أراضيها.
كشمير.. جوهر الصراع الأبدي
تُعد كشمير النقطة الأكثر اشتعالًا في تاريخ العلاقات الهندية الباكستانية، حيث خاض البلدان ثلاث حروب منذ الاستقلال عام 1947، كان معظمها بسبب هذا الإقليم الجبلي المتنازع عليه. فالهند ذات الغالبية الهندوسية تدير الجزء الأكبر من كشمير، بينما تُطالب باكستان، ذات الغالبية المسلمة، بضم الإقليم بأكمله إليها.
ويعيش إقليم كشمير في ظل توتر دائم، حيث تتكرر الاشتباكات بين القوات الهندية والمجموعات المسلحة المطالبة بالاستقلال أو الانضمام إلى باكستان. وتتهم نيودلهي إسلام آباد بتسليح هذه الجماعات، بينما ترفض باكستان هذه الاتهامات، معتبرة أن ما يحدث في كشمير هو "انتفاضة شعبية ضد الاحتلال".
الدعوات للسلام.. هل تُثمر؟
في ظل هذا التصعيد العسكري والدبلوماسي، تتزايد الدعوات الدولية لاحتواء الأزمة والعودة إلى طاولة الحوار. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى ضبط النفس وفتح قنوات اتصال مباشر بين البلدين، كما حث الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الطرفين على الالتزام بالهدنة وإعادة إحياء اتفاقات السلام السابقة.
لكن في الواقع، لا تزال الشكوك قائمة حول جدية التزام الطرفين بالسلام، خصوصًا في ظل وجود جماعات داخل كلا البلدين تضغط باتجاه التصعيد، لتحقيق مكاسب سياسية داخلية أو إقليمية.
نظرة للمستقبل
رغم أن وقف إطلاق النار شكّل بارقة أمل وسط العنف المتصاعد، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمام تحقيق سلام دائم بين الهند وباكستان. فالقضايا العالقة، وعلى رأسها مستقبل كشمير، لا تزال دون حل، وتستوجب إرادة سياسية قوية ورغبة صادقة في تجاوز الماضي المرير.
ومع تعثر المحادثات وتأجيل اللقاءات العسكرية الرسمية، يبقى الوضع هشًّا، وقد تنفجر الأزمة من جديد في أي لحظة. فهل تُثبت الأيام القادمة أن الهدنة كانت مجرد استراحة محارب؟ أم أن الحوار المنتظر قد يفتح بابًا نحو سلام حقيقي طال انتظاره؟