أميركا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً

 

الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين، الرسوم الجمركية، الحرب التجارية، التجارة العالمية، الاقتصاد الصيني، سكوت بيسنت، جنيف، تخفيض الضرائب، العلاقات التجارية، دونالد ترامب، التبادل التجاري.

اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة والصين لخفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً

في تطور لافت على الساحة الاقتصادية العالمية، أعلنت كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين عن توصلهما إلى اتفاق مرحلي يهدف إلى تهدئة التوترات التجارية بين البلدين، وذلك من خلال تعليق جزء كبير من الرسوم الجمركية المفروضة بينهما لمدة 90 يومًا. الاتفاق الذي وصف بـ"التاريخي"، جاء عقب مفاوضات مكثفة عُقدت في مدينة جنيف السويسرية، بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين.

مفاوضات ناجحة ومناخ إيجابي

وزير الخزانة الأميركي "سكوت بيسنت"، أكد للصحافيين بعد انتهاء جلسة المفاوضات أن الجانبين قررا تعليق الإجراءات الجمركية المتبادلة لمدة ثلاثة أشهر، وخفض الرسوم الأميركية على البضائع الصينية من 145% إلى 30%. كما أعلنت الصين من جانبها عن تقليص رسومها الجمركية المفروضة على الواردات الأميركية من 125% إلى 10% فقط لنفس المدة الزمنية.

وأشار بيسنت إلى أن الاتفاق الجديد يتضمن إنشاء آلية مستمرة للحوار التجاري، تهدف إلى معالجة الخلافات وحماية المصالح التجارية لكل طرف، مع التأكيد على احترام السيادة الاقتصادية.

دخول الاتفاق حيز التنفيذ

من المنتظر أن يبدأ تطبيق الاتفاق رسميًا في 14 مايو/أيار، وفق ما أعلنه الطرفان خلال المؤتمر الصحافي الذي جمع كلاً من بيسنت، والممثل التجاري الأميركي "جيمسون غرير"، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني "خه لي فنغ". وأكد المسؤولون أن الاتفاق سيفتح الباب أمام مزيد من التنسيق خلال الفترة المقبلة، وقد يكون مقدمة لاتفاق أشمل يضع حدًا للحرب التجارية الممتدة منذ سنوات.

دور سويسرا في تسهيل المفاوضات

الاجتماع جرى في فيلا السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في ضاحية كولوني بمدينة جنيف، وهي فيلا تتمتع بخصوصية وهدوء جعلتها مناسبة لاستضافة هذا النوع من المفاوضات الحساسة. وكان اختيار سويسرا نابعًا من حيادها التاريخي، ودورها المتنامي كوسيط مقبول من الطرفين في الملفات الاقتصادية الدولية.

دعم دولي وتشجيع من الأسواق

لاقى الاتفاق ترحيبًا واسعًا من الأسواق العالمية، حيث ارتفعت العقود الآجلة في وول ستريت، وصعد مؤشر الدولار مقابل العملات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري. وتوقعت مؤسسات اقتصادية أن يسهم الاتفاق في تهدئة المخاوف من ركود عالمي محتمل، كان يلوح في الأفق نتيجة الحرب التجارية المحتدمة.

كما أعربت الحكومة الصينية عن أملها في أن تستمر واشنطن في التعاون البناء، خصوصًا في ظل حاجة العالم إلى استقرار اقتصادي يعزز من حركة التجارة وسلاسل التوريد.

جذور الحرب التجارية

منذ تولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الحكم في عام 2016، بدأت الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية متصاعدة على البضائع الصينية، بدعوى حماية الاقتصاد الأميركي والحد من العجز التجاري الهائل مع بكين. وتسببت هذه الرسوم في رفع تكلفة الواردات الصينية، حيث وصلت إلى 145% على بعض السلع، ما أثار غضب الصين وردّت بالمثل.

في المقابل، فرضت بكين تعريفات جمركية كبيرة على السلع الأميركية، وقلّصت صادرات عناصر نادرة تدخل في صناعات التكنولوجيا والأسلحة الأميركية، ما زاد من تعقيد العلاقات التجارية.

تأثير الأزمة على الاقتصاد العالمي

أدى هذا النزاع إلى تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي كان يصل إلى 600 مليار دولار سنويًا. كما أثّر على حركة التجارة العالمية، وأدى إلى تعطل سلاسل الإمداد، وخلق ضغوط تضخمية على أسعار السلع، بالإضافة إلى تخفيض الوظائف في قطاعات التصنيع، خاصة في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، زاد التوتر السياسي بين البلدين، وارتفعت احتمالات انقسام اقتصادي عالمي جديد، يضع حلفاء كل من واشنطن وبكين في مواقف متضاربة.

أهداف الولايات المتحدة

تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص عجزها التجاري مع الصين والذي يقدّر بـ295 مليار دولار. كما تضغط واشنطن على بكين لتغيير نموذجها الاقتصادي القائم على دعم الشركات الوطنية، وتعزيز استهلاك السوق المحلي بدلاً من الاعتماد على التصدير المفرط.

ويرى خبراء أن هذه المطالب الأميركية تتطلب تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية الصينية، وهو ما يجعل التوصل إلى اتفاق دائم أمرًا صعبًا ما لم تُظهر بكين استعدادًا لإجراء إصلاحات داخلية.

الصين: التعاون لا المواجهة

من جانبها، تحاول الصين الحفاظ على صورتها كشريك اقتصادي موثوق، وتسعى لتفادي التصعيد مع الولايات المتحدة، في وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية داخلية ناتجة عن تباطؤ النمو والتحديات الجيوسياسية الأخرى.

وقد صرّح "نادر رونغ هوان"، عضو الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط، بأن الاتفاق يعكس رغبة حقيقية لدى الجانبين في تجاوز الخلافات، مشيرًا إلى أهمية العلاقات التجارية بين البلدين وأثرها الكبير على الاقتصاد العالمي.

المرحلة القادمة

رغم أهمية الاتفاق المؤقت، إلا أن المراقبين يتفقون على أن التحديات لا تزال قائمة. فالاتفاق مدته محدودة ولا يعالج الأسباب العميقة للنزاع التجاري، ما يعني أن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة. وقد تتجدد الأزمة إذا لم يُحرز تقدم ملموس في الملفات العالقة، خاصة ما يتعلق بحماية الملكية الفكرية، والوصول إلى الأسواق، والدعم الحكومي للشركات.

ومن المرجح أن تستمر اللقاءات والمفاوضات بين الطرفين خلال الفترة القادمة في أماكن محايدة، بانتظار التوصل إلى خارطة طريق دائمة تنهي واحدة من أخطر الحروب التجارية في العصر الحديث.

تعليقات