.webp)
مأساة غزة تتفاقم: الجوع يقتل الأطفال والمسنين تحت الحصار الإسرائيلي
في مشهد مأساوي يلخص حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، أعلن وزير الصحة الفلسطيني، الدكتور ماجد أبو رمضان، أن 29 طفلًا ومسنًا فقدوا حياتهم خلال اليومين الماضيين نتيجة الجوع وسوء التغذية، في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ مارس الماضي. هذه الأرقام، وإن كانت صادمة، قد تكون مجرد بداية لأزمة أكبر تهدد حياة الآلاف من المدنيين، في الوقت الذي تتباطأ فيه الاستجابة الدولية ويستمر القصف والتجويع.
29 ضحية للجوع خلال يومين فقط
خلال مؤتمر صحفي عقده يوم الخميس، أكد وزير الصحة الفلسطيني أن عدد الوفيات الناتجة عن سوء التغذية في غزة ارتفع بشكل مفزع خلال الساعات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الأطفال والمسنين هم الفئة الأكثر تضررًا من انعدام الأمن الغذائي. وقال:
"خلال اليومين الماضيين، فقدنا 29 روحًا بريئة بسبب الجوع، وهناك آلاف آخرون في دائرة الخطر".
تصريحات الوزير جاءت لتؤكد تحذيرات متكررة صدرت عن منظمات دولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، بشأن الوضع الكارثي في القطاع المحاصر. وردًا على سؤال حول تصريح سابق لمسؤول أممي تحدث عن احتمال وفاة نحو 14 ألف رضيع إذا لم تصل المساعدات، أجاب أبو رمضان:
"هذا الرقم واقعي جدًا، وربما يكون أقل من الحقيقة التي نعيشها على الأرض".
الهلال الأحمر: لم تصل أي مساعدات للمدنيين
من جانبه، أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بأن المدنيين في غزة لم يحصلوا حتى اللحظة على أي من المساعدات التي أعلنت إسرائيل السماح بإدخالها إلى القطاع. وأوضح في بيان رسمي:
"حتى الآن، لم تصل أي مساعدات غذائية أو طبية فعلية إلى أيدي المواطنين، وكل الشاحنات لا تزال تخضع للتفتيش الصارم في معبر كرم أبو سالم".
هذه المعلومات تسلط الضوء على العقبات البيروقراطية التي تعيق وصول الإمدادات، والتي قد تكون متعمدة لزيادة الضغط على سكان القطاع. ووفقًا للهلال الأحمر، فإن أغلب المساعدات تبقى لساعات وربما أيام عند المعابر دون أن يُسمح بتوزيعها في المناطق المتضررة.
استمرار القصف الإسرائيلي وإخلاء السكان
في الوقت نفسه، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المكثف على مناطق مختلفة من غزة، بالتوازي مع إصدار أوامر جديدة بإخلاء أحياء في شمال القطاع. هذه الخطوات، بحسب الجيش الإسرائيلي، تهدف إلى "توسيع العمليات العسكرية"، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذه العمليات.
ورغم إعلان الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول عدد محدود من الشاحنات خلال الأيام الثلاثة الماضية، إلا أن المساعدات لم تكن كافية لتغطية احتياجات أكثر من مليون نازح في القطاع، يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء.
أرقام الشاحنات لا تعكس الواقع الإنساني
بحسب تصريحات رسمية إسرائيلية، فقد تم السماح بمرور ما يقارب 100 شاحنة يوم الأربعاء، و93 شاحنة يوم الثلاثاء، إضافة إلى 10 شاحنات فقط يوم الاثنين. وتزعم السلطات أن هذه الأرقام تمثل تحسنًا في تدفق الإمدادات الإنسانية. غير أن الواقع الميداني، حسب شهادات منظمات الإغاثة، يكشف أن الكميات المسموح بدخولها لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع حجم الكارثة الإنسانية في غزة.
من ناحيتها، قالت الأمم المتحدة إنها بدأت بالفعل توزيع مساعدات تعادل حمولة 90 شاحنة، وهو رقم يبقى أقل بكثير من المطلوب لتأمين الحد الأدنى من الحاجات اليومية للسكان في ظل توقف شبه كامل للخدمات الأساسية.
منذ انهيار الهدنة.. الوضع يزداد سوءًا
.webp)
ويعود تفاقم الوضع الإنساني إلى ما بعد انهيار الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس في مارس الماضي، إذ بدأت تل أبيب بفرض حصار خانق شمل إغلاق معظم المعابر، وتقييد دخول المواد الغذائية والدوائية والوقود، بحجة أن حماس تستولي على جزء كبير من المساعدات القادمة للقطاع.
هذه الاتهامات، وإن كانت متداولة، لم تجد حتى الآن إثباتات موثوقة من جهات مستقلة، في وقت تشير فيه التقارير الميدانية إلى أن المدنيين هم من يدفعون الثمن، وليس المقاتلين أو القيادات.
تحذيرات دولية من مجاعة شاملة
الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية عدة أعربت مرارًا عن قلقها البالغ من تحول أزمة غزة إلى مجاعة شاملة، إذا استمر الحصار ومنع وصول الإمدادات. وفي تقرير حديث صادر عن برنامج الغذاء العالمي، تم التحذير من أن "عدد من يواجهون خطر الموت جوعًا في غزة تجاوز 500 ألف شخص، وأن الوضع يزداد سوءًا مع كل يوم".
وقالت المتحدثة باسم البرنامج إن "الوصول إلى العائلات بات شبه مستحيل بسبب انعدام الأمن والقيود المفروضة على دخول الفرق الإنسانية".
شهادات من داخل غزة: الخبز حلم والدواء مفقود
يصف المواطنون في غزة يومياتهم بأنها "صراع من أجل البقاء". ويقول أحد سكان حي الشجاعية:
"لم نر رغيف خبز منذ أسبوعين، نقتات على ما تبقى من علب معلبات منتهية الصلاحية. أطفالي ينامون وهم جائعون ويبكون من الألم".
وفي مستشفيات غزة، يروي الأطباء قصصًا مأساوية عن أطفال يصلون إلى أقسام الطوارئ وقد فقدوا وعيهم بسبب نقص السكر في الدم، أو يعانون من أمراض ناتجة عن سوء التغذية.
الدواء كذلك أصبح عملة نادرة، حيث لم تعد المستشفيات قادرة على توفير أبسط العلاجات، في حين تنتشر حالات الإسهال والعدوى بين الأطفال نتيجة المياه الملوثة وسوء التغذية.
ردود الفعل الدولية.. بيانات بلا أفعال
رغم صدور عشرات البيانات من الدول الأوروبية والعربية، بالإضافة إلى دعوات من منظمات حقوق الإنسان لوقف الحصار، لم يتم اتخاذ خطوات عملية حقيقية على الأرض. ويرى مراقبون أن الاكتفاء بالتنديد من دون ضغوط سياسية أو اقتصادية فعالة، لا يغير شيئًا في واقع غزة.
ويرى الخبير الحقوقي في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور سمير الخطيب، أن "المجتمع الدولي يقف عاجزًا أمام ما يجري، وربما متواطئًا بالصمت، وهو ما يطيل أمد المأساة ويزيد من معاناة الأبرياء".
السيناريوهات القادمة: المجاعة أم الانفراجة؟
المشهد في غزة مرشح لمزيد من التصعيد في حال استمرار الحصار واستمرار العمليات العسكرية، وفي ظل غياب أي بوادر لعودة الهدنة أو الوصول إلى اتفاق إنساني. السيناريوهات المحتملة قد تشمل:
-
انفراجة إنسانية بوساطة دولية تؤدي إلى فتح المعابر وزيادة المساعدات.
-
تصاعد المجاعة وتحولها إلى أزمة إقليمية تستدعي تدخلاً أكبر من الدول الكبرى.
-
اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وفصائل المقاومة، تعقد الوضع الإنساني أكثر.
المأساة في غزة ليست مجرد أرقام أو أخبار عابرة، بل هي جريمة متواصلة بحق المدنيين الأبرياء الذين يُقتلون جوعًا وقصفًا كل يوم، بينما يكتفي العالم بالمراقبة. ومع ارتفاع عدد الضحايا واشتداد الحصار، يبقى الأمل الوحيد معلقًا على تحرك دولي عاجل، يعيد الحياة لأطفال غزة ويمنع وقوع كارثة إنسانية أكبر.