احتجاجات متواصلة في غزة تطالب برحيل حماس وإنهاء الحرب
.webp)
في تطور لافت يعكس عمق الغضب الشعبي، خرج آلاف الفلسطينيين مجددًا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وعدد من المدن الأخرى، في تظاهرات حاشدة تطالب بخروج حركة حماس من السلطة، وإنهاء الحرب المتواصلة مع إسرائيل التي دخلت شهرها الثامن. وقد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصور يوثق هذه الاحتجاجات، التي هتف خلالها المتظاهرون بشعارات مثل "حماس برا برا"، و"نريد أن نعيش"، و"كفى دمارًا".
غضب شعبي في تزايد
المظاهرات لم تكن محصورة في جباليا، بل امتدت إلى مناطق أخرى مثل بيت لاهيا ومدينة غزة وخان يونس، حيث عبّر السكان عن استيائهم من الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع، في ظل تواصل الحرب ونقص الخدمات والمساعدات. وقال شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن هذه التظاهرات باتت تتكرر بوتيرة أعلى، مدفوعة بتدهور الأحوال المعيشية وانتشار الجوع والمرض.
وفي شهر مارس الماضي، كانت هناك موجة مماثلة من الاحتجاجات، حيث نزل الغزيون إلى الشوارع مطالبين بوقف القتال، ورحيل القيادات التي رأى المحتجون أنها فشلت في إدارة الأزمة وأغرقت القطاع في دوامة لا تنتهي من الدمار والمآسي.
18 عامًا من حكم حماس... وسؤال المصير
تسيطر حركة حماس على قطاع غزة منذ عام 2007 بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين يعيش القطاع تحت حكم الحركة في ظل حصار إسرائيلي مشدد، وثلاث حروب كبرى، كان آخرها الحرب الحالية التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، عقب هجوم مفاجئ شنته حماس على مستوطنات وقواعد إسرائيلية في محيط غزة.
منذ بداية الحرب، يعاني السكان من ظروف إنسانية صعبة للغاية، حيث انهارت البنية التحتية في معظم المناطق، وتوقفت الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، فيما تشهد المستشفيات نقصًا حادًا في الأدوية والإمدادات الطبية.
حرب أكلت الأخضر واليابس
أرقام الضحايا والدمار في قطاع غزة مذهلة. فقد بلغ عدد القتلى الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب حوالي 50 ألف شخص، فيما أصيب مئات الآلاف بجروح، غالبيتهم من المدنيين، بما فيهم النساء والأطفال. كما فقد آلاف الفلسطينيين منازلهم، وتحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض، ولم تسلم حتى المدارس والمستشفيات من القصف.
الجوع بات أحد أكبر التحديات، مع تراجع وصول المساعدات الدولية بسبب إغلاق المعابر وتقييد الحركة. وأفادت منظمات إغاثية أن بعض المناطق في شمال غزة تعاني من انعدام شبه تام للغذاء والماء، مما أدى إلى وفيات بسبب المجاعة، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
مطالبات بإنهاء الحرب وتغيير المسار
المتظاهرون ركّزوا في شعاراتهم على مطلبين رئيسيين: إنهاء الحرب الدامية، ورحيل حركة حماس التي يرون أنها لم تحقق للشعب الفلسطيني سوى المزيد من المعاناة. وانتقد بعض المشاركين في الاحتجاجات ما وصفوه بـ"المغامرات غير المحسوبة" التي قادت إليها سياسات حماس، وأكدوا أن الحل لا يكون بالتصعيد، بل بالتفاوض والبحث عن تسوية سياسية تحفظ دماء الفلسطينيين.
هل نحن أمام انتفاضة داخلية؟
رغم أن عدد المشاركين في الاحتجاجات لا يزال محدودًا نسبيًا مقارنة بعدد سكان القطاع، فإن استمرار هذه الموجة وامتدادها لمناطق جديدة قد يمثل بداية لانفجار داخلي غير مسبوق في وجه حكم حماس. ويرى مراقبون أن الوضع الحالي في غزة ينذر باحتمالات كبيرة لتصاعد الاضطرابات الاجتماعية، خاصة إذا استمرت الحرب، وفشلت الجهود الإنسانية والدبلوماسية في التخفيف من الأزمة.
موقف حماس من التظاهرات
حتى الآن، لم تُصدر حركة حماس بيانًا رسميًا حول هذه التظاهرات، لكن مصادر محلية أفادت بأن عناصر أمنية تابعة للحركة حاولت تفريق بعض التجمعات الاحتجاجية. كما تحدثت تقارير عن توقيف عدد من المشاركين وناشري مقاطع الفيديو عبر الإنترنت.
ويُنظر إلى هذا الصمت من قبل حماس على أنه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي دون الدخول في صدام مباشر، تفاديًا لمزيد من الانفجار الداخلي الذي قد يهدد سلطتها في القطاع.
مستقبل غزة المجهول
في ظل انغلاق الأفق السياسي، وتواصل الحرب، وتفاقم الوضع الإنساني، يبدو أن غزة دخلت مرحلة خطيرة وغير مسبوقة. فالحرب التي اندلعت قبل أشهر، لم تضع أوزارها بعد، ولا يبدو أن هناك أفقًا لحل قريب، في وقت تنهار فيه كافة مقومات الحياة، ويزداد فيه الغضب الشعبي.
الكثير من الفلسطينيين باتوا اليوم يسألون: إلى أين؟ ما مستقبل غزة في ظل هذا الدمار؟ وهل يمكن أن يعود القطاع للحياة بعد كل ما جرى؟ تلك الأسئلة لا تزال بلا إجابة، لكن الأكيد أن الشعب بدأ يُسمع صوته، ويطالب بإنهاء دائرة الموت، والبحث عن حياة كريمة تليق بتضحياته وآلامه.