سموتريتش يقر باستخدام التجويع كسلاح: "لن تدخل غزة حبة قمح واحدة"
.webp)
في تطور خطير يعكس سياسة متشددة وغير مسبوقة، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن إسرائيل لن تسمح بدخول أي نوع من المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، مؤكداً أن "حبة قمح واحدة لن تدخل القطاع". هذا الإعلان أثار موجة من الغضب والإدانة الدولية، إذ يعزز الاتهامات الموجهة لإسرائيل باستخدام الحصار والتجويع كسلاح ضد المدنيين.
خلفية التصريحات المثيرة
وجاء تصريح سموتريتش في معرض تعليقه على تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أشارت فيه إلى أن الجيش الإسرائيلي يُجري استعدادات لإعادة إدخال المساعدات الغذائية والوقود والأدوية إلى القطاع، حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاق حول تبادل الأسرى مع حركة حماس.
وأكد التقرير أن الجيش الإسرائيلي يرى ضرورة ملحة لاستئناف تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بسبب التدهور السريع في الوضع الإنساني، وسط تحذيرات من مجاعة تلوح في الأفق.
لكن سموتريتش عبّر عن رفضه لهذا التوجه، متسائلاً باستنكار عن أسباب إعطاء الأولوية لتبادل الأسرى قبل هزيمة حركة حماس، وقال: "أولاً الأسرى ثم هزيمة حماس؟ لا أرى أي جدوى في هذا الترتيب"، معتبراً أن الحرب المستمرة هي الوسيلة الوحيدة لتغيير الواقع في الشرق الأوسط.
استخدام التجويع كسلاح.. اعتراف رسمي
تصريحات وزير المالية لم تكن مجرد رأي سياسي، بل تحمل أبعاداً قانونية وإنسانية بالغة الخطورة، إذ يعتبر التجويع المتعمد للمدنيين في مناطق النزاع جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي الإنساني.
وبرر سموتريتش موقفه بأن "الجيش الإسرائيلي يعمل وفق تعليمات السلطة السياسية"، ما يعني أن منع دخول الغذاء والدواء إلى غزة يأتي بتوجيهات مباشرة من القيادة السياسية العليا في إسرائيل.
هذا التصريح يُعد اعترافًا صريحًا باستخدام التجويع كسلاح ضغط على سكان القطاع، ويزيد من صعوبة الجهود الدولية الرامية إلى إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة.
إغلاق المعابر... أزمة إنسانية متفاقمة
منذ الثاني من مارس 2024، أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، مانعة دخول أي مواد غذائية أو مساعدات إنسانية، ما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في المنطقة.
وقالت منظمات حقوقية محلية ودولية، بينها "هيومن رايتس ووتش" و"أطباء بلا حدود"، إن منع المساعدات أدى إلى تفاقم المجاعة، خصوصاً في شمال القطاع، حيث بدأت المخابز تُغلق أبوابها لعدم توافر الدقيق، فيما لا تزال مراكز الإيواء مكتظة وتفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ووثقت التقارير الحكومية الفلسطينية أن معظم المستشفيات خرجت عن الخدمة بسبب نقص الوقود والمستلزمات الطبية، بينما يواجه آلاف الجرحى خطر الموت بسبب عدم تلقي الرعاية الطبية المناسبة.
خطة الجيش الإسرائيلي: استئناف مشروط
وعلى الرغم من إصرار القيادة السياسية على مواصلة الحصار، أشار التقرير الصادر عن "يديعوت أحرونوت" إلى أن الجيش الإسرائيلي يضغط من أجل استئناف إدخال المساعدات، ولو بشكل محدود، لتفادي الانهيار الكامل للوضع الإنساني في القطاع.
ووفق الصحيفة، فإن الجيش يُفضل استئناف دخول المساعدات خلال الأسابيع القليلة القادمة، وقد يسمح بذلك حتى قبل التوصل إلى أي اتفاق تبادل أسرى، في محاولة لتقليل الضغوط الدولية المتزايدة على تل أبيب.
لكن هذه التوجهات لا تزال معلقة بسبب التباين في الرؤى داخل الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي المتمثل في وزراء التيار اليميني المتطرف.
أولوية الأسرى أم سلامة المدنيين؟
في تعليقه على الأنباء المتعلقة باستئناف إدخال المساعدات، تساءل سموتريتش عن جدوى إعطاء الأولوية لإعادة الأسرى الإسرائيليين قبل استكمال ما وصفه بـ "هزيمة حماس"، وقال بوضوح: "الحرب بدأت، ويجب أن نغير الواقع في المنطقة"، مضيفاً أن "من المدهش أن يتحدث الجيش إلينا من خلال الصحافة".
كلمات سموتريتش كشفت عن صراع داخلي محتدم بين الجيش والحكومة، حيث ترى المؤسسة العسكرية أن استمرار الحصار قد يُفاقم الأوضاع الأمنية ويهدد بانتفاضة دولية ضد إسرائيل.
الانتقادات الدولية تتصاعد
أثارت التصريحات الرسمية موجة من الإدانات الدولية، حيث اعتبر العديد من الخبراء أن إسرائيل تستخدم "سياسة التجويع" كوسيلة غير مشروعة للضغط السياسي والعسكري.
وقال الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن "منع الغذاء عن المدنيين هو جريمة حرب"، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل من أجل حماية المدنيين في غزة.
كما دعت منظمة "أوكسفام" إلى فتح المعابر فوراً والسماح بدخول المواد الإغاثية بشكل عاجل وغير مشروط، محذرة من مجاعة وشيكة قد تطال مئات الآلاف من السكان.
معاناة إنسانية... وصمت عربي
في ظل هذا الواقع المأساوي، يعاني سكان غزة من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، فيما فشلت الجهود الإقليمية في تخفيف الحصار أو الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.
ويعاني الأطفال من سوء تغذية حاد، في حين تسجل مراكز الإغاثة يومياً عشرات الوفيات نتيجة نقص العلاج والغذاء، في غياب أي أفق حقيقي لحل الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
المشهد
تكشف تصريحات وزير المالية الإسرائيلي عن سياسة ممنهجة تستهدف المدنيين الفلسطينيين عبر سلاح التجويع والحصار، في خرق فاضح لكل الأعراف الدولية.
ورغم محاولات الجيش احتواء الأزمة الإنسانية، إلا أن مواقف القيادة السياسية المتطرفة تُنذر بتصعيد إنساني قد يكون الأكبر في تاريخ الصراع.
ويبدو أن قطاع غزة يقف اليوم على حافة مجاعة كبرى، بينما يواصل المجتمع الدولي إصدار الإدانات دون تحرك فعلي، تاركاً ملايين المدنيين رهائن لجوعٍ ممنهج وسوء معاملة.