.webp)
وسط أجواء مشحونة بالأمل والحذر، استأنفت العاصمة المصرية القاهرة اليوم السبت محادثات جديدة تجمع بين وفد من حركة حماس ومسؤولين مصريين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ أشهر، ويحقق تبادلًا للأسرى بين حماس وإسرائيل.
وبحسب مصادر مطلعة نقلت عنها قناتا "العربية" و"الحدث"، طرحت مصر خلال هذه الجولة من المباحثات مبادرة متكاملة تتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار بضمانات دولية، إضافة إلى ترتيبات لإعادة إعمار غزة وتبادل الأسرى.
تفاصيل المبادرة المصرية وموقف حماس
وأوضحت المصادر أن مصر قدمت عرضًا إلى حركة حماس يتضمن اتفاقًا نهائيًا يشمل وقفًا شاملاً للحرب، مع إشراف وضمانات من قوى دولية وإقليمية لضمان التنفيذ. وأضافت أن حماس أبدت تجاوبًا مبدئيًا مع المبادرة، مشيرة إلى أنها وافقت خلال النقاشات الجارية اليوم على سحب مقاتليها من المناطق التي ينتشرون فيها داخل القطاع، بمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
كما أكدت الحركة، وفق المصادر، أنها مستعدة لعدم تولي أي دور مباشر في إدارة قطاع غزة بعد وقف العمليات القتالية، وهو ما يُعتبر تحولًا لافتًا في موقفها مقارنة بالمراحل السابقة.
.webp)
إصرار أمريكي على نزع سلاح غزة
في السياق ذاته، كشفت المصادر أن الإدارة الأمريكية أبلغت الوسطاء في القاهرة تمسكها الكامل بشرط إخلاء قطاع غزة من جميع أنواع الأسلحة الثقيلة، في إطار أي تسوية مستقبلية، بما يشمل سلاح حركة حماس وباقي الفصائل المسلحة.
يأتي هذا الموقف الأمريكي متناغمًا مع مطلب إسرائيلي واضح كان ولا يزال يتمثل في تفكيك البنية العسكرية لحماس بالكامل كشرط أساسي قبل القبول بأي ترتيبات تهدئة طويلة الأمد أو إنهاء للحرب.
عرض حماس: صفقة شاملة وهدنة لخمس سنوات
من جهة أخرى، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في حماس قوله إن الحركة مستعدة للدخول في "صفقة شاملة" تنهي الحرب الحالية، تشمل الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة دفعة واحدة، مقابل هدنة تستمر لمدة خمس سنوات.
وأوضح المسؤول أن حماس تأمل في أن تقبل الأطراف الدولية برؤيتها للحل، والتي تتضمن وقفًا كاملاً لإطلاق النار، انسحابًا إسرائيليًا كاملاً من القطاع، صفقة جادة لتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكافٍ لإعادة الحياة إلى غزة.
وأشار إلى أن قطاع غزة بات يعاني أوضاعًا إنسانية كارثية بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد ومنع دخول الإمدادات والسلع الأساسية، وهو ما يستدعي تحركًا عاجلًا لإنهاء معاناة المدنيين.
رفض اقتراحات سابقة وتشبث بالمطالب الأساسية
وكانت حماس قد رفضت في وقت سابق من هذا الشهر، وتحديدًا في 17 أبريل، مقترحًا إسرائيليًا يقضي بهدنة مؤقتة مدتها 45 يومًا مقابل الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين على قيد الحياة. وأصرت حماس على التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي الحرب بشكل كامل، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع أراضي غزة.
بالمقابل، تواصل إسرائيل تمسكها بمواقفها الصارمة التي تتلخص في استعادة جميع الأسرى المحتجزين في غزة، وتجريد الفصائل الفلسطينية المسلحة من أسلحتها، وذلك قبل التوصل إلى أي اتفاق لوقف إطلاق النار أو انسحاب جزئي أو كامل من القطاع.
الوضع الإنساني ومطالب المجتمع الدولي
في ظل هذه المعطيات، يزداد الضغط الدولي على الأطراف المعنية للإسراع بالتوصل إلى اتفاق، خصوصًا مع تدهور الوضع الإنساني بشكل متسارع في القطاع، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف بالغة الصعوبة، نتيجة للدمار الواسع الذي خلفته الحرب وندرة الغذاء والدواء والمياه النظيفة.
وتطالب منظمات دولية كبرى، بينها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، بضرورة فتح المعابر فورًا أمام المساعدات الإنسانية، وضمان وصولها إلى المحتاجين دون عوائق، كخطوة أولى نحو استقرار الوضع الإنساني.
ملف الأسرى.. العقدة الأبرز
.webp)
يمثل ملف الأسرى أحد أكثر الملفات تعقيدًا في المفاوضات الجارية. وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن 58 أسيرًا إسرائيليًا لا يزالون محتجزين في غزة، يُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم خلال الحرب.
وفي حين تصر إسرائيل على استعادة جثامين قتلاها بالإضافة إلى الأسرى الأحياء، ترفض حماس الدخول في أي اتفاق جزئي، وتطالب بصفقة شاملة تشمل جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
أجواء تفاؤل حذر
رغم صعوبة الملفات المطروحة واختلاف المواقف بين الأطراف، إلا أن مصادر دبلوماسية تحدثت عن أجواء "تفاؤل حذر" تسود أروقة المفاوضات في القاهرة. وأشارت إلى وجود ضغوط كبيرة من قبل الوسطاء الدوليين والإقليميين لدفع الجانبين نحو تقديم تنازلات متبادلة تتيح إبرام الاتفاق المنتظر.
وذكرت المصادر أن الضمانات الدولية، التي تشمل مشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية كبرى، قد تشكل عنصر اطمئنان لحماس للموافقة على الصفقة، كما قد تمنح إسرائيل الثقة اللازمة لوقف العمليات العسكرية مقابل تحقيق أهدافها الأمنية الرئيسية.
تحديات ما بعد الاتفاق
في حال التوصل إلى اتفاق نهائي، ستواجه الأطراف تحديات كبيرة في تنفيذ بنوده، بدءًا من ضمان وقف إطلاق النار بشكل فعلي ومستدام، مرورًا بعملية إعادة الإعمار الضخمة التي تتطلب مليارات الدولارات، وليس انتهاءً بتسوية وضع غزة السياسي والإداري، وسط انقسامات فلسطينية عميقة بين حماس والسلطة الفلسطينية.
كما ستكون مهمة نزع سلاح غزة، في حال الاتفاق عليها، مهمة معقدة تتطلب ترتيبات أمنية دقيقة وتوافقات محلية ودولية واسعة، لتفادي انزلاق القطاع مجددًا إلى العنف والفوضى.
يبقى التوصل إلى اتفاق شامل بين حماس وإسرائيل عبر الوساطة المصرية رهين الإرادة السياسية للطرفين والضغوط الدولية المتزايدة. وفي حال نجاح هذه الجهود، فقد يمثل ذلك بداية مرحلة جديدة نحو تهدئة طويلة الأمد تعيد بعض الأمل إلى غزة المنكوبة، وتمهد الطريق لجهود أوسع لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.