.webp)
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وقّع المئات من الطيارين المتقاعدين والجنود الاحتياطيين في سلاح الجو على عريضة تطالب بضرورة إنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، إذا كان ذلك هو السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس. وقد قوبلت هذه المبادرة بعاصفة من الردود الرسمية والعسكرية، وسط تهديدات صريحة من القيادة العسكرية بفصل أي طيار أو جندي احتياطي شارك في هذا البيان علنًا.
وأفاد مسؤول عسكري بارز، اليوم الخميس، أن قائد سلاح الجو اللواء "تومر بار"، وبدعم مباشر من رئيس هيئة الأركان العامة، قررا اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد من وقّعوا على هذه العريضة، مؤكدًا أنه لن يُسمح لأي عنصر احتياط شارك في هذا البيان بمواصلة خدمته العسكرية.
وقد جاءت هذه التصريحات عقب نشر وسائل إعلام محلية لنسخة من العريضة التي أطلقها ما يقارب 1000 عنصر من سلاح الجو، بينهم طيارون متقاعدون وعناصر في الخدمة الاحتياطية، طالبوا فيها الحكومة الإسرائيلية بضرورة منح ملف الأسرى الأولوية القصوى حتى لو تطلب الأمر إيقاف العمليات العسكرية بشكل كامل في غزة.
💥 العريضة التي أشعلت الرأي العام
العريضة التي نُشرت على شكل إعلان مدفوع في عدد من الصحف العبرية حملت رسالة واضحة مفادها: "أعيدوا الأسرى، حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب على غزة". وتضمنت العريضة دعوة مباشرة للحكومة الإسرائيلية لتقديم حل إنساني يضمن سلامة الأسرى، معتبرين أن استمرار الحرب لا يخدم الأهداف الأمنية المعلنة، بل على العكس قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وخسارة مزيد من الأرواح.
وجاء في نص العريضة: "من الواضح للجميع أن الضغط العسكري لن يُعيد الأسرى بل قد يؤدي إلى مقتلهم، وهو أمر لا يمكن تحمله أخلاقيًا ولا وطنيًا". وأضاف الموقعون: "استمرار الحرب لا يصب في مصلحة الأمن القومي بل يُستخدم لأهداف سياسية ضيقة".
كما شدد البيان على أن المسار التفاوضي هو الخيار الوحيد الآمن والفعال لاستعادة الأسرى الإسرائيليين، معتبرين أن الهدنة المؤقتة التي جرت في وقت سابق أثبتت جدوى التفاوض، بعد نجاحها في إعادة عدد من الأسرى، رغم أن بعضهم كان قد فارق الحياة.
🔥 ردود الفعل العسكرية: لا تسامح مع المخالفين
الرد العسكري الرسمي على هذه المبادرة كان صارمًا. فقد أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى أن التصرفات التي خرجت عن الإطار النظامي والعلني تهدد تماسك المؤسسة العسكرية، واعتبر أن نشر هذه الرسالة علنًا يضر بروح القتال ووحدة الصف في وقت حساس تعيشه البلاد.
وأكد المتحدث أن الجيش لن يسمح لأي عنصر، مهما كان موقعه، أن يستخدم رتبته العسكرية أو منصبه السابق للتأثير في السياسات الأمنية عبر وسائل الإعلام. واعتبر أن هذه العريضة تمثل خرقًا واضحًا للأوامر والتعليمات، خصوصًا أن الحديث يدور عن طيارين خدموا في وحدات حساسة ومهمات استراتيجية.
وقد وجّه قائد سلاح الجو اللواء "تومر بار" رسالة داخلية إلى وحداته أكد فيها أن توقيع العريضة يعني فقدان الثقة والالتزام العسكري، وبالتالي فإن من يوقع على هذا النوع من المبادرات لا يمكنه البقاء في الخدمة العسكرية.
⚖️ الأبعاد السياسية والاجتماعية للعريضة
من الناحية السياسية، تشكّل هذه العريضة تحديًا واضحًا لحكومة بنيامين نتنياهو، التي تصرّ على استمرار العمليات العسكرية في غزة حتى تحقيق ما تسميه بـ "الحسم الكامل" ضد حماس. وقد جاءت هذه المبادرة وسط جدل داخلي متصاعد حول جدوى الحرب، وارتفاع عدد القتلى من الجنود والمدنيين، والضغوط الدولية لوقف الأعمال العسكرية.
ويعتبر بعض المحللين أن توقيع العريضة من قِبل طيارين ومقاتلين في وحدات النخبة يعبّر عن "هزة ثقة" عميقة داخل المؤسسة العسكرية، وهو أمر نادر في إسرائيل التي تُعرف بقدسية الانضباط العسكري وخصوصية وحدات سلاح الجو.
كما أشار مراقبون إلى أن استخدام هؤلاء الجنود السابقين والاحتياطيين لمنصاتهم الإعلامية وإعلانات الصحف وسيلة جديدة للتأثير على الرأي العام والسياسات الحكومية، خاصة أن هؤلاء يحملون تاريخًا مميزًا في الخدمة ويُنظر إليهم كرموز بطولية في المجتمع الإسرائيلي.
📉 استمرار الحرب وخسائر فادحة
يُذكر أن الجيش الإسرائيلي استأنف عملياته العسكرية في قطاع غزة في 18 مارس الماضي، بعد توقف دام نحو شهرين أعقبت هدنة مؤقتة بوساطة قطرية مصرية، أتاحت الإفراج عن 33 أسيرًا إسرائيليًا، ثمانية منهم تم تسليمهم جثثًا، مقابل إطلاق سراح ما يقرب من 1800 أسير فلسطيني.
وبحسب إحصائيات الجيش، لا يزال نحو 58 إسرائيليًا محتجزين في القطاع، يُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم. وتستمر العمليات الإسرائيلية في القطاع رغم تصاعد الانتقادات الدولية وتصاعد أعداد الضحايا الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم 50 ألف قتيل منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.
✋ محاولات منع النشر
في السياق ذاته، كشفت تقارير صحفية أن قائد سلاح الجو حاول منع نشر العريضة قبل أيام، بعد أن تسربت إليه معلومات حول نية بعض عناصر الاحتياط والمتقاعدين نشرها كإعلان صحفي. إلا أن ضغوط الموقعين وسرعة الإجراءات القانونية حالت دون ذلك.
وتشير هذه الواقعة إلى عمق الانقسام داخل الجيش الإسرائيلي بشأن استراتيجية التعامل مع ملف غزة، وخصوصًا مسألة الأسرى الذين يُشكلون نقطة خلاف حاد بين مؤسسات الأمن والحكومة.
🚨 أمام مفترق طرق
اليوم، تقف إسرائيل أمام مفترق طرق حساس، إذ تواجه خيارين أحلاهما مرّ: الاستمرار في حرب قد تطول وتستنزف قدرات الجيش والاقتصاد والمجتمع، أو القبول بتسويات قد تُصنف على أنها "تنازل" أمام حركة حماس.
أما المؤسسة العسكرية، فمطالبة الآن بالحفاظ على وحدة صفها في ظل تحديات داخلية وخارجية متزايدة، ومع تصاعد الأصوات من داخلها تطالب بإعادة تقييم استراتيجية الحرب.
وفي ظل هذه الأجواء، يبقى مصير الطيارين الموقعين على العريضة غامضًا، في حين يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته على الأرض، بينما تبقى ملفات الأسرى والتسوية السياسية والحرب طويلة الأمد عالقة في ميزان التوتر والانقسام.