.webp)
الهواتف في السرير: عادة ليلية تدمر النوم والصحة النفسية
في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، أصبح الهاتف الذكي رفيقًا دائمًا لنا، حتى في أكثر اللحظات خصوصية، مثل الاستعداد للنوم. كثيرون يعتبرون تصفح الهاتف قبل النوم وسيلة للاسترخاء، غير مدركين لما قد يسببه هذا السلوك من اضطرابات في النوم وتدهور في الصحة النفسية. وقد كشفت دراسة حديثة صادمة من المعهد النرويجي للصحة العامة عن علاقة قوية بين استخدام الهاتف في السرير والأرق، ما يعزز الدعوات لتغيير هذه العادة اليومية الخطيرة.
عادات قبل النوم وتأثيرها على جودة النوم
لطالما نُصح الناس باتباع طقوس معينة تساعد على النوم مثل قراءة كتاب، أو الاستحمام بماء دافئ، أو الاستماع لموسيقى هادئة. هذه العادات ثبت علمياً أنها تحسن جودة النوم ومدته، لأنها تهدئ العقل وتساعد الجسم على الاسترخاء.
في المقابل، فإن التحديق في الشاشات قبل النوم – سواء كان هاتفاً ذكياً أو جهازاً لوحياً أو حتى التلفاز – أصبح من العادات السيئة التي تؤثر سلباً على جودة النوم، وتزيد من خطر الإصابة بالأرق ومشكلات صحية أخرى.
دراسة نرويجية تكشف التأثير الحقيقي
أجرى المعهد النرويجي للصحة العامة دراسة موسعة شملت 45,202 شخصًا تراوحت أعمارهم بين 18 و28 عامًا. طُرحت عليهم مجموعة من الأسئلة حول عاداتهم في استخدام الهواتف في السرير وسلوكيات النوم لديهم. وقد تم نشر نتائج هذه الدراسة في مجلة Frontiers in Psychiatry، المتخصصة في الطب النفسي.
وبحسب ما نقل موقع New Atlas عن نتائج الدراسة، فإن مجرد استخدام الهاتف لمدة ساعة واحدة في السرير قبل النوم يزيد من خطر الإصابة بالأرق بنسبة تصل إلى 59%، كما يؤدي إلى تقليل وقت النوم الليلي بنحو 24 دقيقة.
.webp)
السبب ليس فقط مواقع التواصل
ربما يظن البعض أن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي فقط هو ما يؤثر على النوم، نظراً لطبيعتها التفاعلية وما تولده من مشاعر وتوتر، لكن الدراسة أظهرت أن النوع لا يهم بقدر مدة الاستخدام.
صرّحت الدكتورة "غونهيلد جونسن هيتلاند"، الباحثة الرئيسية في الدراسة، قائلة:
"لا يبدو أن نوع نشاط الشاشة مهم بقدر الوقت الإجمالي الذي يستغرقه استخدامها في السرير".
بمعنى آخر، سواء كنت تتصفح فيسبوك، أو تقرأ الأخبار، أو تشاهد مقاطع فيديو، فإن النتيجة واحدة: تأخير النوم، وتقليل مدته، وزيادة فرص الإصابة بالأرق.
كيف تؤثر الشاشات على دورة النوم؟
يعتمد جسم الإنسان في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ على ما يعرف بـ"الإيقاع اليومي" (Circadian Rhythm)، وهو دورة بيولوجية تتأثر إلى حد كبير بالضوء والظلام.
وتُصدر الشاشات الإلكترونية، خاصة الهواتف المحمولة، ضوءاً أزرق يؤثر سلبًا على إفراز هرمون "الميلاتونين"، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالنعاس والاستعداد للنوم. وعندما يتعرض الدماغ لهذا الضوء الأزرق في وقت متأخر من الليل، يظن أن الوقت ما زال نهارًا، فيؤجل عملية النوم.
آثار صحية ونفسية بعيدة المدى
يحذر الباحثون من أن اضطرابات النوم الناتجة عن استخدام الهاتف لا تتوقف فقط عند قلة النوم، بل تمتد لتؤثر على الصحة النفسية والأداء اليومي. فقلة النوم ترتبط بشكل وثيق بزيادة معدلات القلق والاكتئاب، وتدهور الأداء الأكاديمي والوظيفي، وزيادة خطر الحوادث.
وصرّحت هيتلاند قائلة:
"تنتشر مشاكل النوم بشكل كبير بين الطلاب، ولها آثار خطيرة على الصحة العقلية والرفاهية العامة".
وأضافت:
"الدراسة ركزت على فئة الشباب الجامعي، لكن النتائج تنطبق أيضاً على فئات أخرى من المجتمع، نظراً لانتشار استخدام الهواتف في كل الأعمار".
الأخبار السارة: يمكن استعادة نومك
لحسن الحظ، ما زال بإمكانك تغيير هذا الوضع. فبحسب الدراسة، فإن التخلي عن الهاتف قبل النوم بـ30 إلى 60 دقيقة فقط يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في جودة النوم.
وقدّمت هيتلاند مجموعة من النصائح للمساعدة في تحسين النوم:
-
تجنب استخدام الهاتف في السرير تمامًا.
-
ضبط الهاتف على وضع الطيران أو عدم الإزعاج بعد وقت معين.
-
إغلاق الإشعارات ليلاً لتجنب التنبيهات المزعجة.
-
استخدام ساعة تقليدية بدلاً من الهاتف لضبط المنبه.
-
ممارسة التأمل أو القراءة أو الاستماع لموسيقى هادئة كروتين ما قبل النوم.
الهواتف ليست العدو الوحيد
رغم أن الهواتف الذكية تتصدر القائمة، إلا أن الأجهزة الأخرى مثل التلفاز والكمبيوتر اللوحي لها تأثير مشابه. ويكمن الخطر الأكبر في أن هذه الأجهزة أصبحت وسيلة ترفيه أساسية للجميع، ما يجعل التخلص منها ليلاً تحديًا كبيرًا.
وتنصح الدراسات النفسية أيضًا بتقليل المحفزات العاطفية قبل النوم، لأن الانفعالات الناتجة عن مشاهدة مقاطع مؤثرة أو تصفح أخبار مزعجة تثير التوتر وتؤثر على النوم بنفس طريقة الضوء الأزرق.
نحو بيئة نوم صحية
لضمان نوم أفضل، يُفضل الاهتمام بجميع العوامل المحيطة بغرفة النوم:
-
إطفاء جميع الشاشات قبل ساعة من النوم.
-
تخفيض الإضاءة في الغرفة تدريجيًا.
-
ضبط درجة حرارة الغرفة على جو مريح.
-
استخدام ستائر تعزل الضوء.
-
الحرص على الفراش المريح والوسائد الداعمة.
في ظل تزايد الاعتماد على الهواتف الذكية، أصبح من الضروري التوعية بمخاطر استخدامها خاصة في فترات الليل. فالدراسة النرويجية الأخيرة تثبت بشكل قاطع أن مجرد ساعة واحدة من استخدام الهاتف في السرير كفيلة بإفساد النوم وزيادة خطر الأرق بنسبة تقترب من 60%.
وقد حان الوقت لإعادة التفكير في عاداتنا اليومية، والتخلي عن سلوكيات قد تبدو بسيطة لكنها تؤثر بعمق على صحتنا النفسية والجسدية. فقط بتغيير بسيط مثل إبعاد الهاتف، يمكنك استعادة نومك وتحسين جودة حياتك.