مجزرة في رفح: فيديو يوثق إعدام 15 مسعفًا على يد الجيش الإسرائيلي
.webp)
في جريمة تهزّ الضمير الإنساني وتكشف حجم المأساة في قطاع غزة، وثّقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عبر فيديو تم العثور عليه بهاتف أحد الضحايا، اللحظات الأخيرة من حياة طاقم طبي فلسطيني، قبل أن يُعدم بدم بارد. الفيديو صوّره أحد المسعفين في اللحظات التي سبقت مقتله، حيث يظهر إطلاق نار كثيف على سيارات إسعاف كانت تتنقل بمصابيحها المضيئة، وهو ما ينفي الرواية الإسرائيلية التي زعمت أن "المركبات اقتربت بطريقة مريبة دون أضواء أو إشارات طوارئ".
فقدان غامض وصدمة الاكتشاف
على مدى تسعة أيام، كانت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني في حالة ترقب وقلق بعد اختفاء 15 من زملائهم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. لم يكن أحد يعلم مصيرهم، إلى أن تم اكتشاف مقبرة جماعية تحتوي على جثامينهم في منطقة "تل السلطان"، وهي منطقة اجتاحتها القوات الإسرائيلية مؤخرًا. الجثث وُجدت مقيدة ومدفونة في حفرة عميقة، وبعضها في حالة تحلل، مما يدل على أنها تعرضت للإعدام بعد الاعتقال.
تفاصيل صادمة داخل المقبرة الجماعية
أفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن بين الضحايا 8 مسعفين من طواقمها، و5 من فرق الإنقاذ، إضافة إلى موظف من وكالة الأمم المتحدة، كانوا قد فُقدوا منذ أيام بعد محاصرتهم من قبل القوات الإسرائيلية. الكشف المروع أظهر أن معظم الجثامين تعرضت لإطلاق نار مباشر في الصدر والرأس، وأنها كانت مقيدة الأيدي، مما يشير إلى تنفيذ عملية إعدام ممنهجة عقب الاعتقال، وليس في أثناء اشتباك مسلح كما يدّعي الجيش الإسرائيلي.
فيديو الهاتف المحمول: الشاهد الصامت
خلال مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، عرض نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، مروان الجيلاني، مقطع فيديو تم استخراجه من هاتف أحد المسعفين الذين قُتلوا. المقطع المروّع يُظهر كيف أن طاقم الإسعاف كان يعمل وسط الظلام بمصابيحه المضيئة، عندما بدأ إطلاق النار الكثيف عليهم. ومن داخل مركبة إسعاف، التُقط المشهد الذي تحوّل إلى لحظة وداع، حيث يُسمع صوت المسعف المرتجف يقرأ الشهادة ويتحدث بعبارات الوداع لأهله وأصدقائه.
يقول المسعف في الفيديو: "سامحونا يا شباب... يا أمي سامحيني لأنني اخترت هذا الطريق... يا رب تقبلني شهيدًا"، ثم يقول بصوت خافت ومرتجف: "جاء اليهود... جاء اليهود"، في إشارة إلى قدوم الجنود الإسرائيليين.
الرواية الإسرائيلية تتهاوى أمام الحقائق
في وقت سابق، صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ناداف شوشاني أن "الجيش لم يهاجم أي سيارة إسعاف من دون سبب"، زاعمًا أن "بعض المركبات اقتربت من القوات بطريقة مشبوهة دون أضواء طوارئ". غير أن الفيديو يعرض صورًا واضحة لسيارات إسعاف وشاحنة إطفاء تسير بمصابيح مضاءة، ما يدحض المزاعم الإسرائيلية جملة وتفصيلاً، ويكشف تلاعبها بالرواية الرسمية.
كما أكّد الهلال الأحمر أن القافلة الطبية خرجت على عجل بعد تلقيها نداءات استغاثة من مدنيين محاصرين تحت القصف في رفح، وقد تم التنسيق المسبق مع جهات دولية لتأمين المرور.
نداء إنساني للمحاسبة
أثار الفيديو والحقائق الميدانية غضبًا واسعًا على المستوى الدولي، وسط مطالبات بتحقيق دولي شفاف ومستقل لمحاسبة الجناة. وقال مروان الجيلاني: "هذا الفيديو سيكون دليلاً أمام مجلس الأمن الدولي، ولن نصمت أمام هذا الانتهاك الصارخ".
وأكد الجيلاني أن هذه الجريمة هي جزء من سلسلة انتهاكات مستمرة يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة منذ بدء العدوان، وأن استهداف الطواقم الطبية يعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
السياق الأوسع: حرب بلا قواعد
تأتي هذه الجريمة في سياق التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة، حيث تتواصل الغارات الجوية والعمليات البرية وسط اتهامات متكررة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واستهداف المدنيين والبنية التحتية والطواقم الطبية والإنسانية.
وبحسب تقارير رسمية، فقد استشهد أكثر من 15 ألف طفل منذ اندلاع الحرب، وبلغ عدد النازحين داخليًا نحو 1.9 مليون شخص، فيما تشير إحصائيات وكالة "أونروا" إلى تدمير واسع لمرافق الإغاثة والمراكز الصحية في القطاع.
صمت المجتمع الدولي
على الرغم من هذه الفظائع، فإن ردود الفعل الدولية بقيت دون المستوى المطلوب. اقتصر بعضها على الإدانة اللفظية، بينما لم تُتخذ أي خطوات عملية لوقف العدوان أو إحالة الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية. ويعتبر مراقبون أن استمرار هذا الصمت يشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الانتهاكات، في ظل غياب الرادع والمحاسبة.
شهادات حية من زملاء الشهداء
روى أحد زملاء الضحايا، الناجي الوحيد من الطاقم الذي غيّبته المجزرة، أن الاتصالات انقطعت مع القافلة الطبية فور دخولها منطقة "تل السلطان"، ورجّح حينها أن تكون قد تعرضت للهجوم أو الاعتقال. ويضيف بأسى: "كنا نؤمن أن شارة الإسعاف تحمي حياتنا... لم نعد نصدق ذلك".
المطالبات الدولية تتزايد
مع انتشار الفيديو وتأكيد مصادر طبية على تنفيذ الإعدام بعد تقييد الضحايا، تصاعدت المطالبات من منظمات حقوقية عالمية، بينها "هيومن رايتس ووتش" و"أطباء بلا حدود"، بفتح تحقيق دولي وإرسال لجنة تقصي حقائق إلى غزة.
كما دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى جلسة طارئة لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية، مع طرح مشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق خاصة بحادثة إعدام المسعفين.
النهاية المفتوحة: هل من عدالة قريبة؟
بينما لا يزال أهالي الضحايا في غزة يعانون تحت الحصار والقصف، يبقى سؤال العدالة معلقًا. هل يرى العالم هذا الفيديو كجريمة مكتملة الأركان، أم يُضاف إلى أرشيف الجرائم المنسية؟ وهل يتحرك مجلس الأمن بعد هذه الوثائق الدامغة، أم يستمر الشلل السياسي أمام الفيتو الدولي؟
ما حدث في رفح ليس مجرد حادث عرضي، بل هو فصل دامٍ من رواية طويلة عنوانها: "غزة، حيث القتل لا يحتاج إلى مبرر". ويبقى صوت المسعف في الفيديو الشاهد الحي الذي يفضح كل الادعاءات: "يا أمي سامحيني... يا رب تقبلني شهيدًا".