إمبراطورية ماهر الأسد: سقوط دولة الظل والاقتصاد الموازي في سوريا
.webp)
نهب الفرقة الرابعة: كيف استنزف ماهر الأسد الاقتصاد السوري؟
من معاقلها في الجبال المحيطة بدمشق، سيطرت الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، على قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري. هذه القوة العسكرية، التي زرعت الرعب في أنحاء البلاد، لم تكتف بالقمع والقتل، بل تحولت إلى آلة لنهب ثروات سوريا، حتى آخر قرش.
عقب سقوط النظام، تعرضت معظم مقرات هذه الوحدة السيئة السمعة للنهب، لكن الوثائق التي عُثر عليها تكشف حجم الفساد والترف الذي عاشه ماهر الأسد وأعوانه، بينما كان جنوده يواجهون الفقر لدرجة التسول.
إمبراطورية اقتصادية غير مشروعة
كشفت الوثائق عن سيطرة الفرقة الرابعة على قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري، بدءًا من تهريب المخدرات، وخاصة الكبتاغون، الذي جعل سوريا دولة مخدرات بمليارات الدولارات، إلى فرض الضرائب على المعابر التجارية ونهب الممتلكات.
لم تقتصر نشاطات الفرقة على التجارة غير المشروعة، بل امتدت إلى سرقة المنازل والمزارع، ومصادرة السيارات والبضائع، واحتكار تجارة التبغ والمعادن. كما فرضت أتاوات على نقاط التفتيش وحتى على صهاريج النفط العابرة من مناطق التنظيمات المتشددة.
أنفاق سرية وخزنات مليئة بالثروات
كان ماهر الأسد يدير عملياته من مقره المحصّن في قلب جبل يُشرف على دمشق. داخل شبكة من الأنفاق، كانت الثروات مخبأة في خزنات محكمة الإغلاق، والتي تعرضت للنهب بعد سقوط النظام.
في أحد المكاتب، عُثر على وثائق تُظهر احتفاظ الفرقة الرابعة بمبالغ نقدية هائلة، بما في ذلك 80 مليون دولار و8 ملايين يورو و41 مليار ليرة سورية، ما يعكس حجم الأموال التي جُمعت من خلال الأنشطة غير المشروعة بين عامي 2021 و2024.
الحياة المترفة لماهر الأسد وأعوانه
بينما كان الشعب السوري يعاني من الجوع والفقر، عاش ماهر الأسد وأعوانه حياة البذخ. امتلكوا القصور، السيارات الفاخرة، وساعات رولكس وكارتييه. فيلاتهم كانت مجهزة بأفخم الأثاث، بينما كانت البلاد تغرق في الأزمات.
على سبيل المثال، مدير مكتب أمن الفرقة الرابعة، غسان بلال، شحن سيارتين فاخرتين في صيف 2024، ودفع عشرات الآلاف من الدولارات لجمركة مركباته، بينما كان جنوده يتوسلون للحصول على إعانات مالية لا تتجاوز 33 دولارًا.
دولة داخل الدولة: كيف سيطرت الفرقة الرابعة على كل شيء؟
لم تكن الفرقة الرابعة مجرد وحدة عسكرية، بل كانت "مافيا" متكاملة. سيطرت على المعابر والحدود، وجمعت الضرائب من التجار، واحتكرت سوق المعادن. على سبيل المثال، كان ممنوعًا على أي شخص تحريك الحديد أو النحاس دون موافقة الفرقة.
كما استولت على مصانع وممتلكات رجال أعمال، وأجبرت المصانع على شراء المواد من موردين تابعين لها، ما أدى إلى انهيار العديد من القطاعات الصناعية.
مافيا المخدرات: تجارة الكبتاغون تحت إدارة ماهر الأسد
تحولت الفرقة الرابعة إلى أكبر منتج ومصدر للكبتاغون في المنطقة. كانت معامل الإنتاج مخبأة داخل الفيلات المصادرة، مثل تلك الموجودة في بلدة الديماس، حيث عُثر على كميات كبيرة من المواد الأولية المستخدمة في التصنيع.
تم تأمين عمليات التهريب عبر الحدود، وكانت الفرقة تتلقى ملايين الدولارات مقابل حماية الشحنات. وأظهرت الوثائق أن مكتب الأمن تلقى مبالغ طائلة من كبار التجار لقاء السماح لهم بتمرير بضائعهم دون اعتراض.
نهب مقدرات البلاد: من الذهب إلى العقارات
لم يقتصر الأمر على المخدرات، بل امتد إلى نهب الممتلكات الخاصة. كان السوريون يتوافدون بعد سقوط النظام بحثًا عن ممتلكاتهم، لكنهم لم يجدوا سوى القصور المنهوبة.
على سبيل المثال، صادر ماهر الأسد مزارع وفيلات في ريف حمص، وحوّلها إلى مكاتب ومستودعات خاصة بالفرقة الرابعة، بينما كانت العائلات المشردة تعيش في خيام أو حظائر دواجن.
إرث الفرقة الرابعة: هل انتهى خطرها؟
بعد سقوط النظام، فرّ القادة الرئيسيون للفرقة الرابعة، لكن نفوذهم لم يختفِ تمامًا. تُركت مخازن الأسلحة والمليارات من الأموال المسروقة مخبأة، ما يثير مخاوف من عودة ظهور التنظيمات الموالية للنظام السابق في المستقبل.
يُحذر الخبراء من أن إرث الفرقة الرابعة قد يستمر في تسميم البلاد لسنوات، خاصة وأن العديد من قادتها لجأوا إلى المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، حاملين معهم ثرواتهم وأسلحتهم.
هل انتهت دولة الظل؟
تكشف الوثائق التي تم العثور عليها عن مدى الفساد الذي نخر نظام الأسد. الفرقة الرابعة لم تكن مجرد وحدة عسكرية، بل كانت دولة داخل الدولة، نهبت البلاد حتى آخر فلس.
مع انهيار حكم الأسد، لا تزال سوريا تعاني من تداعيات عقود من الفساد والاستبداد. يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع سوريا تجاوز هذا الإرث الأسود، أم أن مافيا النظام السابق ستجد طريقها للعودة من جديد؟