إسرائيل وسوريا: توغل عسكري وتصعيد متزايد وسط توترات إقليمية
.webp)
منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تصاعدت التدخلات الإسرائيلية في سوريا، بدءًا من عمليات التوغل العسكري جنوبًا، مرورًا بالغارات الجوية التي استهدفت مستودعات السلاح، وصولًا إلى التهديدات الصريحة بالتدخل المباشر. هذه التطورات تشير إلى مرحلة جديدة من التوتر بين إسرائيل وسوريا، وسط مخاوف من تصعيد أوسع يمتد إلى الإقليم بأكمله.
تهديدات إسرائيلية: "لن نسمح بهجوم 7 أكتوبر آخر من سوريا"
في تصريح لافت، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن تل أبيب لن تسمح بوجود ما أسماها "جماعات إسلامية" على حدودها مع سوريا، في إشارة إلى القوات العسكرية التي كانت سابقًا جزءًا من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، قبل أن تندمج ضمن وزارة الدفاع السورية الجديدة.
كما شدد على أن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد قد يؤدي إلى تكرار سيناريو "7 أكتوبر 2023"، وهو الهجوم الذي نفذته حركة حماس على مناطق إسرائيلية بالقرب من غزة وأدى إلى اندلاع الحرب. وأضاف ساعر أن أمن إسرائيل يعتمد على إبقاء حدودها الشمالية هادئة، وهو ما يبرر – وفقًا له – الضربات الجوية والتوغل العسكري.
التدخل الإلكتروني وتحذيرات إسرائيلية عبر شبكات الاتصالات
لم يقتصر التدخل الإسرائيلي على العمليات العسكرية، بل امتد إلى الجانب الإلكتروني، حيث أفادت تقارير محلية بأن الجيش الإسرائيلي اخترق شبكات الاتصالات السورية في مناطق الساحل، وأرسل رسائل تحذيرية إلى المدنيين مساء الاثنين، طالبهم فيها بالابتعاد عن "مواقع المخربين" قبل تنفيذ غارات جوية.
وأكد سكان محليون أن هذه الرسائل سبقت قصفًا إسرائيليًا استهدف منشآت عسكرية في محيط مدينة طرطوس، ما أدى إلى إصابة عدد من عناصر وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري: دعم الأقليات أم ذرائع للتوغل؟
شهدت المناطق الجنوبية لسوريا، لا سيما محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، توترات متزايدة، حيث زعمت إسرائيل أن تدخلها يهدف إلى حماية الطائفة الدرزية هناك.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أصدر تعليمات للجيش بالاستعداد للتدخل في بلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، متذرعًا بالدفاع عن أمن سكانها. كما أكد مكتب نتنياهو أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ "كل الخطوات اللازمة" لحماية الدروز في سوريا، وهي تصريحات أثارت غضب السوريين الذين اعتبروها ذريعة لمزيد من التدخل الإسرائيلي في البلاد.
في المقابل، خرجت مظاهرات واسعة في عدة مدن سورية تندد بالوجود الإسرائيلي في الجنوب، وتؤكد وحدة الأراضي السورية، مع المطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المواقع التي توغلت فيها منذ ديسمبر الماضي.
القصف الإسرائيلي على الساحل السوري وتصعيد متزايد
بعد التحذيرات الإسرائيلية عبر شبكات الاتصالات، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة من الغارات على مواقع عسكرية في الساحل السوري، لا سيما في محيط مدينة طرطوس، حيث استهدفت مستودعات أسلحة تابعة للجيش السوري الجديد، مما أدى إلى وقوع إصابات بين الجنود السوريين.
وأفادت مصادر محلية بأن سيارات الإسعاف هرعت إلى مواقع القصف لنقل المصابين إلى مشافي المدينة. ولم تصدر وزارة الدفاع السورية أي تعليق رسمي حتى الآن، لكن تقارير إعلامية أشارت إلى أن الغارات الإسرائيلية كانت تهدف إلى تقويض القدرات العسكرية السورية الناشئة بعد سقوط الأسد.
إسرائيل تسعى للحد من النفوذ التركي في سوريا عبر روسيا
إلى جانب تدخلها العسكري المباشر، تسعى إسرائيل إلى تقليص النفوذ التركي في سوريا من خلال التنسيق مع روسيا، الحليف الرئيسي للحكومة السورية المؤقتة.
وفقًا لمصادر دبلوماسية، تجري تل أبيب محادثات مع موسكو لضمان ألا تتحول سوريا إلى ساحة نفوذ تركي، خصوصًا مع التقدم الذي تحرزه أنقرة في الشمال السوري.
ويرى مراقبون أن إسرائيل تحاول استغلال الوضع الجيوسياسي الجديد في سوريا لفرض واقع أمني يخدم مصالحها على المدى الطويل، لا سيما في ظل التغييرات الكبرى التي شهدها المشهد السوري بعد سقوط الأسد.
التوغل الإسرائيلي في الجولان: واقع جديد على الأرض
منذ ديسمبر الماضي، كثفت إسرائيل وجودها العسكري في مرتفعات الجولان المحتل، حيث توغلت قواتها في أكثر من عشرة مواقع داخل المنطقة العازلة التي تفصل بين إسرائيل وسوريا منذ عام 1974.
وقد شملت هذه التحركات السيطرة على الجانب الشرقي من جبل الشيخ، فيما أكد نتنياهو أن هذا الإجراء ذو طبيعة دفاعية ومؤقتة، مشددًا على أن القوات الإسرائيلية ستظل في المنطقة حتى تحقق تل أبيب "ضمانات أمنية واضحة".
عملية تسلل إسرائيلية في درعا: تكتيك عسكري جديد؟
في تصعيد إضافي، نفذت قوات إسرائيلية عملية تسلل محدودة شمال محافظة درعا، حيث اشتبكت لفترة وجيزة مع عناصر محلية قبل أن تنسحب.
ولم تعلن إسرائيل رسميًا عن العملية، لكن مصادر سورية أكدت أنها تأتي ضمن سلسلة من التحركات العسكرية التي تهدف إلى اختبار ردود الفعل وإضعاف أي مقاومة محتملة للوجود الإسرائيلي المتزايد في الجنوب السوري.
ماذا بعد؟ تصعيد إسرائيلي أم تراجع محتمل؟
مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية والتوغل في الأراضي السورية، يبدو أن المشهد يتجه نحو مزيد من التصعيد، خصوصًا مع غياب أي مؤشرات على وجود حل دبلوماسي قريب.
لكن يبقى السؤال: هل ستستمر إسرائيل في نهجها التصعيدي، أم أن التحركات الدولية – خاصة من قبل روسيا وتركيا – ستضغط على تل أبيب للتراجع؟
في كل الأحوال، يبقى الوضع في سوريا معقدًا ومفتوحًا على جميع السيناريوهات، في ظل استمرار الغارات والتوغلات، ما يجعل مستقبل المنطقة محفوفًا بالمخاطر والتوترات