.webp)
مستقبل غزة بعد الحرب: خطط إعادة الإعمار وسط الركام والدمار
بينما لا يزال قطاع غزة يعاني من آثار الدمار الهائل، ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، فإن مستقبل القطاع لا يزال غامضًا، إذ تدور مناقشات مكثفة خلف الكواليس حول إعادة إعمار غزة، التي تعرضت لدمار شبه تام جراء القصف الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023.
في الوقت الذي لا تزال الأنقاض والركام تغطي أرجاء القطاع، بدأت بعض التحركات لوضع تصور لما يمكن أن تكون عليه مرحلة ما بعد الحرب، لا سيما مع زيارة ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إسرائيل مؤخرًا، حيث طرح خطة طموحة لإعادة إعمار غزة، رغم الجدل القائم حول مستقبل السكان وإمكانية تهجيرهم.
إعادة إعمار غزة وفق النموذج الصيني
تشير التقارير إلى أن خطة ويتكوف استلهمت النموذج الصيني في إعادة الإعمار، والذي يعتمد على تشييد أبراج سكنية شاهقة يصل ارتفاعها إلى 50 طابقًا، بحيث تحصل كل عائلة على شقة سكنية ملائمة مقابل شروط معينة.
إحدى أبرز هذه الشروط، وفق ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط، أن توافق العائلات على التخلي عن حق العودة إلى أراضيها الأصلية التي طُردت منها عام 1948 خلال النكبة، وهو شرط أثار استياء العديد من الجهات الفلسطينية والدولية.
كما تنص الخطة على أن يتم تأجير هذه الوحدات السكنية للعائلات بمبالغ رمزية لمدة 25 عامًا، وبعدها يتم نقل ملكيتها بالكامل إلى السكان دون مقابل إضافي، في خطوة تهدف إلى استقرار سكان القطاع ضمن واقع جديد، وفق الرؤية الأميركية والإسرائيلية.
.webp)
فرص عمل مقابل الإسكان المجاني
تضمنت الخطة أيضًا شرطًا آخر للحصول على الإسكان المجاني، وهو العمل في قطاعات محددة مثل:
- الزراعة
- السياحة
- قطاع التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك)
ويُعتقد أن التركيز على هذه القطاعات يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك شراكات محتملة مع القطاع الخاص الإسرائيلي، الذي بدأ بالفعل في استكشاف فرص الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار.
تحويل غزة إلى وجهة سياحية حديثة
إضافة إلى الإسكان، تطرح الخطة رؤية لتحويل غزة إلى وجهة سياحية واستثمارية، من خلال إقامة فنادق ومنتجعات فاخرة على طول شواطئ البحر المتوسط، مما قد يساهم في خلق فرص عمل وتحفيز الاقتصاد المحلي، رغم أن الظروف الأمنية والسياسية قد تعيق تنفيذ مثل هذه المشاريع.
تحويل أنفاق حماس إلى شبكة قطارات
واحدة من أكثر الأفكار المثيرة للجدل في هذه الخطة هي تحويل الأنفاق التي حفرتها حماس تحت الأرض إلى خطوط سكك حديدية، تربط غزة بالمدن الفلسطينية والإسرائيلية المجاورة، بل وتمتد إلى مصر، الأردن، السعودية، والضفة الغربية.
ورغم أن هذا المقترح قد يبدو بعيد المنال في ظل الوضع السياسي الحالي، فإنه يعكس رؤية تتماشى مع خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لدمج غزة اقتصاديًا في المنطقة، وتحويلها إلى نقطة عبور تجاري بدلاً من أن تكون منطقة صراع دائم.
التحديات أمام تنفيذ الخطة
على الرغم من الطموحات الكبيرة لهذه الخطة، فإن هناك العديد من العقبات التي قد تعرقل تنفيذها، ومنها:
-
الموقف الفلسطيني
- يرفض الفلسطينيون أي مشاريع مرتبطة بتنازلهم عن حق العودة، وهو شرط رئيسي في الخطة الأميركية.
- لا تزال حركة حماس تسيطر على القطاع، ومن غير المرجح أن توافق على مشاريع تعيد رسم المشهد السياسي في غزة وفق أجندة خارجية.
-
التحديات الأمنية
- لا تزال إسرائيل تفرض حصارًا صارمًا على القطاع، مما يعقّد أي خطط للبناء والتنمية.
- الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة تجعل من الصعب تنفيذ مشاريع طويلة الأمد.
-
التمويل والدعم الدولي
- تحتاج عملية إعادة الإعمار إلى تمويل ضخم، حيث قُدرت الأضرار في البنية التحتية بمليارات الدولارات.
- لم تتضح بعد مصادر التمويل لهذه الخطة، وما إذا كانت ستعتمد على المساعدات الدولية أو الاستثمارات الخاصة.
-
إزالة الأنقاض
- وفق تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج رفع الركام والأنقاض إلى سنوات من العمل المتواصل، مما يعرقل البدء في عمليات البناء الفعلية.
.webp)
إسرائيل والقطاع الخاص: فرص استثمارية أم استغلال اقتصادي؟
خلال زيارته إلى إسرائيل، ناقش ويتكوف مع مسؤولين إسرائيليين وأطراف من القطاع الخاص إمكانية الاستثمار في مشاريع إعادة إعمار غزة.
ويرى بعض الخبراء أن الشركات الإسرائيلية قد تستفيد اقتصاديًا من مشاريع البناء، في حين يحذر آخرون من أن هذه المشاريع قد تكون وسيلة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية غير المباشرة على القطاع.
الأمم المتحدة: غزة بحاجة إلى سنوات من إعادة الإعمار
تشير أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 80% من الأبنية في غزة قد تعرضت للدمار أو لأضرار جسيمة، مما يجعل إعادة الإعمار عملية معقدة وطويلة الأمد.
كما أكدت المنظمة الدولية أن الحرب الأخيرة أدت إلى تراجع التنمية في غزة لعقود، وأن الأوضاع الإنسانية تزداد سوءًا مع نقص المياه النظيفة، وانهيار الخدمات الصحية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
خلاصة: هل تتحول غزة إلى "دبي جديدة" أم تواجه مصيرًا مجهولًا؟
على الرغم من أن خطة إعادة الإعمار المطروحة قد تبدو طموحة، إلا أنها تثير الكثير من التساؤلات والمخاوف، خصوصًا فيما يتعلق بالشروط المفروضة على السكان، ومستقبل القطاع السياسي والاقتصادي.
ففي حين يحلم البعض برؤية غزة تتحول إلى مدينة حديثة مليئة بناطحات السحاب والفنادق الفاخرة، يرى آخرون أن هذه الخطة قد تكون مجرد وسيلة لإعادة هيكلة القطاع وفق رؤية تخدم أجندات دولية أكثر من مصلحة الفلسطينيين أنفسهم.
في النهاية، يبقى مستقبل غزة مرهونًا بالتطورات السياسية والمفاوضات الجارية، وما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق شامل يضمن إعادة الإعمار مع الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، أم أن القطاع سيظل ساحة للصراعات والتجاذبات الدولية لعقود قادمة.