التوغلات الإسرائيلية في سوريا: توسع عسكري أم احتلال دائم؟
.webp)
تصاعد التوغلات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي السورية
منذ أكثر من شهر، تشهد المناطق الحدودية السورية توغلات متزايدة للقوات الإسرائيلية، حيث قامت بإنشاء قواعد عسكرية جديدة ونقاط مراقبة، مما أثار قلق السكان المحليين والمجتمع الدولي بشأن النوايا الإسرائيلية الحقيقية في المنطقة. فهل يتعلق الأمر بإجراءات دفاعية كما تزعم تل أبيب، أم أن هناك نية خفية لاحتلال دائم لهذه المناطق؟
توغل في القنيطرة ودرعا
وفقًا لمصادر محلية وتقارير إعلامية، بما في ذلك ما نشرته قناة "العربية/الحدث"، فإن القوات الإسرائيلية توغلت يوم الجمعة في بلدة "الرفيد" الواقعة بريف القنيطرة الجنوبي. وتُظهر المشاهد الميدانية أن الجنود الإسرائيليين شوهدوا وهم يتحركون بين منازل السكان في البلدة، بعد أيام قليلة من دخولهم قرية "عين النورية" المجاورة.
لم تقتصر عمليات التوغل على القنيطرة فحسب، بل امتدت خلال الشهرين الماضيين إلى عدة مناطق في محافظتي القنيطرة ودرعا. إذ دخلت القوات الإسرائيلية عشرات البلدات قبل أن تعاود الانسحاب، مما يعكس استراتيجية متكررة تعتمد على التقدم التكتيكي المؤقت، ربما بهدف جمع المعلومات أو اختبار ردود الفعل المحلية والدولية.
إجراء استبيانات: خطوة غير مسبوقة
أحد أكثر التطورات غرابة في هذا التوغل الأخير هو قيام القوات الإسرائيلية بإجراء استبيانات ميدانية مع السكان المحليين. وبحسب الشهادات التي نقلها مراسل "العربية/الحدث"، فقد طلب الجنود الإسرائيليون من الأهالي تقديم معلومات شخصية، بما في ذلك أسماؤهم وأعداد أفراد أسرهم واحتياجاتهم الأساسية.
يبدو أن هذه الاستبيانات تمثل محاولة لفهم البنية السكانية والاجتماعية للمنطقة، وهو أمر غير معتاد في عمليات التوغل العسكري التقليدية. فهل تسعى إسرائيل إلى فرض نوع من السيطرة الإدارية غير المعلنة، أم أن هذه البيانات تُستخدم لأغراض استخباراتية قد تؤثر على مستقبل المنطقة؟
تعزيزات عسكرية وقواعد دائمة
إلى جانب التوغلات المستمرة، أرسلت إسرائيل تعزيزات عسكرية جديدة إلى الداخل السوري، مما يؤكد أن وجودها هناك ليس مجرد خطوة تكتيكية مؤقتة. وبحسب صور الأقمار الصناعية التي نُشرت مؤخرًا، فقد أنشأت إسرائيل قاعدتين عسكريتين دائمتين في القنيطرة، وهما مرتبطتان بشبكة طرق ترابية تقود مباشرة إلى مرتفعات الجولان السوري المحتل.
ويكشف تحليل هذه الصور عن موقع ثالث يتم تحضيره لإنشاء قاعدة جديدة، حيث تم جرف وتسوية الأرض استعدادًا للبناء. هذه التحركات تعكس توجهاً واضحاً نحو تعزيز التواجد العسكري الإسرائيلي في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول أهداف تل أبيب بعيدة المدى.
توغل نحو جبل الشيخ: خطوة استراتيجية
قبل نحو شهر ونصف، نفذت القوات الإسرائيلية توغلًا داخل المنطقة العازلة المحاذية للحدود السورية، وهي خطوة وصفتها تل أبيب بأنها ضرورية لأمنها القومي. لم يقتصر الأمر على التحركات البرية، بل تقدمت القوات الإسرائيلية نحو قمة جبل الشيخ، التي تُعتبر موقعًا استراتيجيًا مهمًا.
في هذا السياق، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن القوات الإسرائيلية "ستبقى هناك"، في إشارة واضحة إلى أن هذه التحركات ليست مؤقتة كما تزعم بعض المصادر الرسمية. هذا التصريح زاد من مخاوف السوريين الذين يرون في هذه التوغلات بداية لاحتلال دائم.
المنطقة العازلة: من الدفاع إلى السيطرة
منذ سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر، أعلنت إسرائيل أنها عززت وجودها في المنطقة العازلة، حيث أقامت أكثر من عشرة مواقع عسكرية في مرتفعات الجولان المحتل. وتشكل هذه المرتفعات حاجزًا طبيعيًا يفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتلك التي لا تزال تحت السيطرة السورية.
وعلى الرغم من أن تل أبيب تدّعي أن هذه الإجراءات دفاعية وتهدف إلى منع أي تهديد محتمل من الجانب السوري، إلا أن التوغلات المتكررة في عدة مناطق بالمحيط تعكس نوايا قد تكون أكثر تعقيدًا. فبينما تؤكد الحكومة الإسرائيلية أن هذه التحركات مؤقتة، تشير الحقائق على الأرض إلى تعزيز التواجد العسكري الإسرائيلي بشكل مستمر.
تصريحات متضاربة حول النوايا الإسرائيلية
في محاولة لتهدئة المخاوف الدولية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن التواجد العسكري الإسرائيلي في المناطق الحدودية هو إجراء مؤقت يهدف إلى مواجهة أي تهديدات أمنية محتملة. لكنه عاد وأكد أن القوات ستبقى في مواقعها حتى تحصل إسرائيل على "ضمانات أمنية".
هذا التصريح ترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات متعددة، حيث يرى بعض المحللين أن إسرائيل قد تستغل الأوضاع غير المستقرة في سوريا لفرض واقع جديد في المنطقة العازلة. وبحسب مراقبين، فإن استمرار بناء القواعد العسكرية الإسرائيلية يشير إلى نية واضحة لتعزيز السيطرة على هذه المناطق، مما قد يؤدي إلى تغييرات جيوسياسية دائمة.
مخاوف السكان المحليين: احتلال جديد؟
تعيش المناطق السورية القريبة من التوغلات الإسرائيلية حالة من الترقب والقلق، إذ يخشى العديد من السكان أن تتحول هذه التحركات العسكرية إلى احتلال دائم، على غرار ما حدث في الجولان عام 1967. فبالرغم من الانسحابات المؤقتة من بعض المناطق، فإن وجود قواعد عسكرية دائمة يشير إلى نية إسرائيلية في البقاء لفترة طويلة.
ويتخوف الأهالي من أن تؤدي هذه التوغلات إلى عمليات تهجير قسري أو فرض سياسات جديدة من قبل الجيش الإسرائيلي، خاصة في ظل جمع المعلومات السكانية من خلال الاستبيانات التي أجريت مؤخرًا.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
لم يصدر حتى الآن رد فعل قوي من القوى الدولية الكبرى حيال التحركات الإسرائيلية الأخيرة، رغم تصاعد القلق في الأوساط السياسية والإعلامية. في حين تراقب الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان، هذه التطورات بحذر، وسط مخاوف من تداعيات إقليمية قد تخرج عن السيطرة.
أما على المستوى العربي، فقد أصدرت بعض الجهات الرسمية بيانات استنكار، لكنها لم تتجاوز إطار الإدانة الدبلوماسية المعتادة. ويبقى السؤال: هل ستتحرك الأطراف الدولية الفاعلة للحد من هذا التوسع، أم أن إسرائيل ستواصل توغلاتها دون أي عوائق؟
الخلاصة: إلى أين تتجه الأوضاع؟
مع استمرار التوغلات الإسرائيلية في الداخل السوري، وإنشاء قواعد عسكرية دائمة، يبدو أن الوضع على الأرض آخذ في التغيير بشكل جذري. فبينما تصر إسرائيل على أن هذه التحركات تهدف إلى ضمان أمنها، تشير المعطيات إلى إمكانية تحولها إلى واقع جديد قد يُعقد المشهد الإقليمي أكثر.
في ظل غياب ردود فعل قوية من المجتمع الدولي، ومع تصاعد مخاوف السكان المحليين، يبقى السؤال الأهم: هل نشهد بداية مرحلة جديدة من الاحتلال الإسرائيلي لمناطق سورية، أم أن هذه التحركات ستبقى مجرد إجراءات مؤقتة تنتهي مع تحسن الأوضاع الأمنية في المنطقة؟