![]() |
المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني (أرشيفية - فرانس برس) |
العلاقات الإيرانية السورية: برود دبلوماسي وسط غياب التواصل الرسمي
في ظل المتغيرات السياسية الإقليمية، تتسم العلاقات بين إيران وسوريا بحالة من البرود والتوتر، خاصة بعد التغييرات السياسية الأخيرة في دمشق. فرغم التأكيدات الرسمية من الجانب الإيراني بأن أي حكومة سورية تحظى بدعم الشعب ستلقى دعم طهران، نفت الحكومة الإيرانية وجود أي تواصل رسمي مباشر مع الإدارة السورية الجديدة، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
إيران: لا تواصل رسمي مع الحكومة السورية الجديدة
خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم الثلاثاء، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، أن طهران لم تتبادل أي رسائل رسمية مع القيادة السورية الجديدة. وأضافت أن إيران ترغب في رؤية سوريا آمنة ومستقرة، مع الحفاظ على وحدة أراضيها وكرامة شعبها.
يأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين مرحلة غير مسبوقة من الفتور، على عكس ما كان عليه الوضع خلال سنوات حكم الرئيس السابق بشار الأسد، حيث كانت طهران واحدة من أبرز حلفائه الإقليميين، وقدمت له دعمًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا خلال الصراع الذي شهدته البلاد.
اتصالات غير مباشرة عبر وسطاء
ورغم النفي الرسمي لوجود أي تواصل مباشر بين الطرفين، كشف مجيد تخت روانجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، أن هناك تواصلًا غير مباشر مع الحكومة السورية الجديدة عبر وسطاء.
هذا التصريح يثير تساؤلات حول طبيعة الوساطة ومن هي الأطراف التي تقوم بدور الجسر الدبلوماسي بين البلدين، خاصة في ظل التغيرات الحادة التي طرأت على السياسة السورية الداخلية والخارجية منذ سقوط نظام الأسد.
دمشق تفرض قيودًا على الإيرانيين
وفي خطوة تعكس تدهور العلاقات الثنائية، أصدرت الحكومة السورية الجديدة قرارًا بمنع دخول البضائع الإيرانية إلى أراضيها، كما فرضت قيودًا على دخول المسافرين الإيرانيين إلى البلاد، وهو ما يُعتبر تغييرًا جذريًا في النهج السوري تجاه طهران.
فخلال سنوات الحرب، كانت سوريا سوقًا مفتوحة أمام المنتجات الإيرانية، كما أن طهران كانت تستخدم الأراضي السورية كطريق استراتيجي لنقل الأسلحة والمساعدات لحلفائها الإقليميين، لا سيما حزب الله في لبنان. لكن يبدو أن الحكومة السورية الجديدة تعيد النظر في هذه المعادلة، وتسعى إلى إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية بما يخدم المصالح السورية بشكل مستقل عن النفوذ الإيراني.
تحولات في الموقف السوري: من التحالف إلى إعادة التقييم
يُذكر أن إيران كانت واحدة من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد خلال سنوات الحرب، حيث قدمت له دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا، بالإضافة إلى تزويده بالمقاتلين والمستشارين العسكريين. لكن مع سقوط النظام القديم وتولي قيادة جديدة زمام الأمور في دمشق، يبدو أن العلاقة بين الجانبين لم تعد بنفس القوة التي كانت عليها في الماضي.
في هذا السياق، أكد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أكثر من مرة أن بلاده لن تكون بعد اليوم ممراً لطهران من أجل تهريب السلاح. ومع ذلك، شدد على أن سوريا لا تسعى إلى القطيعة مع إيران، بل ترغب في بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
![]() |
السفارة الإيرانية في دمشق (أرشيفية- أسوشييتد برس) |
هل نشهد تحولًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط؟
التحولات في العلاقات الإيرانية السورية قد تكون جزءًا من تغيير أوسع في التوازنات الإقليمية، حيث تحاول سوريا إعادة صياغة سياساتها الخارجية بعيدًا عن الاعتماد الكامل على طهران.
وفي الوقت نفسه، فإن إيران لا تزال تحاول الحفاظ على نفوذها في سوريا، خاصة وأنها استثمرت الكثير من الموارد في دعم النظام السابق. لكن مع وجود حكومة جديدة في دمشق، يبدو أن طهران تواجه تحديًا في الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع سوريا، خصوصًا في ظل تنامي التأثير الإقليمي لجهات أخرى مثل روسيا وتركيا.
سيناريوهات المستقبل
في ظل هذه التغيرات، هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقات الإيرانية السورية:
-
استمرار البرود الدبلوماسي:
- قد تستمر العلاقات في حالتها الراهنة، حيث تتجنب دمشق القطيعة المباشرة مع طهران، لكنها في الوقت نفسه لا تعيد العلاقات إلى سابق عهدها.
-
تقارب مشروط:
- من المحتمل أن تسعى إيران إلى إعادة بناء العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، لكن ذلك سيتطلب تغييرات في سياسات طهران، لا سيما فيما يتعلق باستخدام الأراضي السورية لنقل الأسلحة.
-
تحالفات جديدة:
- قد نشهد تحولات كبرى في التحالفات الإقليمية، حيث تتجه سوريا نحو تعزيز علاقاتها مع دول أخرى مثل تركيا أو الدول العربية، على حساب تقليص النفوذ الإيراني.
مرحلة جديدة في العلاقات السورية الإيرانية
يبدو أن العلاقات بين سوريا وإيران تمر بمرحلة انتقالية حساسة، حيث لم تعد دمشق تسير وفق النهج القديم، بل تسعى إلى بناء سياسة خارجية أكثر استقلالية.
ورغم النفي الإيراني لوجود قطيعة، فإن الإجراءات السورية الأخيرة تعكس تحولًا واضحًا في العلاقة بين البلدين. وفي ظل هذه التغييرات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن طهران من التكيف مع المشهد السياسي الجديد في دمشق، أم أن سوريا ستواصل مساعيها للابتعاد عن النفوذ الإيراني؟