تصعيد عسكري في جنوب لبنان وواشنطن تؤكد دعمها لبيروت
شهد الجنوب اللبناني، اليوم الجمعة، تصعيدًا عسكريًا جديدًا، حيث شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة استهدفت بلدة البيسارية في قضاء صيدا، في سياق توتر متصاعد بين إسرائيل وحزب الله. تأتي هذه الضربة ضمن سلسلة غارات جوية نفذتها إسرائيل خلال الليلة الماضية، طالت عدة مواقع في لبنان، من بينها معسكر سريج في السلسلة الشرقية في البقاع، إضافة إلى مناطق جرد جنتا، وجرد النبي الشيت، وجرد بريتال، التي تعتبر من معاقل حزب الله.
كما امتدت الغارات إلى بلدات في الجنوب اللبناني، شملت حومين، رومين، وزفتا، في وقت تواصلت فيه عمليات نسف منازل في بلدة كفركلا الحدودية، حيث قامت القوات الإسرائيلية بمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم، ما زاد من معاناة السكان المحليين.
تحذيرات إسرائيلية وتوتر على الحدود
في ظل هذه التطورات، أصدر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تهديدات جديدة لسكان الجنوب اللبناني، محذرًا إياهم من الاقتراب من الحدود. ووفقًا لمصادر أمنية، فإن القوات الإسرائيلية رفعت من مستوى تأهبها على الحدود، مع تعزيز وجودها العسكري، تحسبًا لأي رد فعل من حزب الله.
على الجانب اللبناني، شدد الرئيس جوزيف عون، خلال اجتماع مع مسؤولي الأمم المتحدة، على ضرورة الالتزام بالقرار الأممي 1701، الذي ينص على وقف الأعمال العدائية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة. كما طالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المتكررة.
اشتباكات وتوتر على الحدود اللبنانية-السورية
لم يقتصر التصعيد على الجنوب اللبناني، إذ شهدت الحدود اللبنانية-السورية توترات خطيرة، بعد وقوع اشتباكات في ريف القصير، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخر. كما تم تسجيل عمليات أسر متبادلة بين سكان المنطقة والقوات العسكرية، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني في منطقة تُعتبر معقلًا لحزب الله.
ووفقًا لمصادر محلية، فإن الاشتباكات اندلعت بعد استهداف نقطة عسكرية، وسط مخاوف من توسع دائرة العنف إلى مناطق أخرى. وتشير التحليلات إلى أن هذه التوترات قد تؤدي إلى تصعيد أكبر، خاصة مع تزايد الضغوط الإسرائيلية على الحزب.
وفد أميركي في بيروت لدعم لبنان
تزامن التصعيد العسكري مع زيارة وفد أميركي رفيع المستوى إلى بيروت، يضم نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتيغاس، وإريك تريجر، مسؤول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية، فإن الوفد الأميركي أجرى سلسلة لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، بحث خلالها اتفاق وقف العمليات بين إسرائيل وحزب الله، إضافة إلى تطورات تشكيل الحكومة اللبنانية، حيث تسعى واشنطن لدعم الاستقرار السياسي في لبنان، وسط توقعات بأن تضغط إسرائيل لتمديد الاتفاق حتى 30 مارس/آذار المقبل.
اتفاق وقف إطلاق النار والتحديات التي تواجهه
يُذكر أن لبنان وإسرائيل توصلا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بوساطة أميركية من قبل المبعوث آنذاك، آموس هوكستين. الاتفاق نصّ على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وتم تمديده لاحقًا حتى 18 فبراير/شباط الحالي.
ويتولى الإشراف على تنفيذ هذا الاتفاق لجنة خماسية تضم الولايات المتحدة، فرنسا، قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، لبنان، وإسرائيل. ورغم التوصل لهذا الاتفاق، فإن استمرار الخروقات الإسرائيلية، والتوترات الحدودية، تهدد بعرقلة تنفيذ بنوده.
موقف الولايات المتحدة من الأزمة اللبنانية
في ظل هذه التطورات، اجتمع الرئيس اللبناني، جوزيف عون، اليوم الجمعة، في قصر بعبدا، مع نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتيغاس.
ووفقًا لبيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، أكدت أورتيغاس خلال الاجتماع على دعم الولايات المتحدة للبنان وللبنانيين، مشددة على التزام واشنطن بمساعدة بيروت في تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها.
ويعكس هذا الموقف الأميركي رغبة في الحفاظ على استقرار لبنان، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهه. كما أن هذه الزيارة تؤكد استمرار اهتمام الولايات المتحدة بمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان عدم انزلاق الأوضاع إلى مواجهة شاملة بين إسرائيل وحزب الله.
مخاوف من تصعيد أوسع
على الرغم من المساعي الدولية لاحتواء التصعيد، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى احتمال تصاعد التوتر في الجنوب اللبناني، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية، وتهديدات الجيش الإسرائيلي، ورفض حزب الله التراجع عن مواقفه.
ويرى محللون أن استمرار هذه الاعتداءات قد يدفع حزب الله للرد، ما قد يؤدي إلى اندلاع جولة جديدة من المواجهات العسكرية، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى حلول دبلوماسية فعالة.
في الوقت ذاته، لا تزال الحكومة اللبنانية تواجه تحديات سياسية كبيرة، في ظل تعثر تشكيل حكومة جديدة، واستمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما يجعل الوضع في لبنان أكثر تعقيدًا.
وسط تصعيد إسرائيلي خطير في الجنوب اللبناني، وتهديدات جديدة لسكان المنطقة، تحاول واشنطن لعب دور الوسيط لضمان استقرار لبنان، لكن استمرار الغارات الإسرائيلية والاشتباكات على الحدود السورية-اللبنانية يزيدان من تعقيد المشهد. وبينما تتواصل المساعي الدبلوماسية للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، فإن خطر اندلاع مواجهة جديدة يظل قائمًا، في ظل تصاعد الضغوط الإسرائيلية على حزب الله، والردود المحتملة من جانبه.