ارتفاع وفيات الرضع في غزة بسبب البرد القارس وسط أزمة إنسانية متفاقمة
![]() |
جثة رضيع توفي بسبب البرد في غزة في ديسمبر الماضي (أرشيفية) |
تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهورًا حادًا في ظل استمرار موجة البرد القارس، التي أودت بحياة عدد من الأطفال حديثي الولادة بسبب نقص التدفئة والمساعدات الطبية. ووسط تفاقم المعاناة، حذّر مسؤولون طبيون من احتمال ارتفاع عدد الوفيات بين الرضع مع استمرار الأوضاع المأساوية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.
ستة أطفال يفارقون الحياة بسبب البرد القارس
أعلنت حركة حماس، اليوم الثلاثاء، عن وفاة ستة أطفال حديثي الولادة في غزة بسبب الانخفاض الحاد في درجات الحرارة وانعدام وسائل التدفئة المناسبة. ووفقًا للبيان الصادر عن الحركة، فإن هذه الكارثة تأتي نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية ومواد الإيواء اللازمة لحماية النازحين من موجة البرد القاسية.
وأشار البيان إلى أن المجتمع الدولي يواصل صمته تجاه هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المواد الأساسية، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل وسائل التدفئة في المستشفيات والمخيمات.
تحذيرات طبية من ارتفاع عدد الوفيات بين الرضع
في وقت سابق، كشف الدكتور سعيد صلاح، مدير مستشفى أصدقاء المريض الخيري في غزة، عن استقبال المستشفى لثمانية أطفال حديثي الولادة يعانون من انخفاض حاد في حرارة الجسم نتيجة التعرض المباشر للبرد الشديد. وأوضح أن ثلاثة من هؤلاء الأطفال فارقوا الحياة بعد ساعات من وصولهم، بينما تمكن المستشفى من إنقاذ اثنين في حالة مستقرة، في حين بقي ثلاثة آخرون في العناية المركزة بحالة حرجة، قبل أن يُعلن لاحقًا عن وفاتهم.
وأضاف صلاح أن الأطفال الذين تم استقبالهم كانوا في حالة تجمد شبه كاملة، حيث بدت أجسادهم باردة جدًا وأظهرت علامات خطيرة تدل على انخفاض شديد في الدورة الدموية، ما تسبب في تعطل وظائف القلب والرئتين والكلى والدماغ. وأشار إلى أن جميع الحالات جاءت من مخيمات النزوح، حيث تعيش العائلات في خيام لا توفر أي حماية حقيقية من البرد القارس.
الأوضاع المأساوية للنازحين في ظل العاصفة الشتوية
منذ عدة أيام، يواجه قطاع غزة عاصفة شتوية قوية مصحوبة بانخفاض شديد في درجات الحرارة ورياح عاتية، ما أدى إلى اقتلاع مئات الخيام التي تؤوي النازحين وغرق أجزاء واسعة من المخيمات بسبب الأمطار الغزيرة. وتزامن ذلك مع انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة ونقص الوقود اللازم لتشغيل المدافئ، مما جعل الأطفال وكبار السن أكثر الفئات تضررًا من هذه الظروف القاسية.
وذكر سكان المخيمات أن الوضع بات "لا يُحتمل"، حيث يجدون أنفسهم محاصرين بين الجوع والبرد، في ظل عدم توفر أي حلول أو مساعدات كافية لمواجهة هذه الأزمة. وأكد عدد من الأهالي أنهم يضطرون إلى إشعال النفايات للحصول على بعض الدفء، رغم المخاطر الصحية الناتجة عن ذلك.
نداءات استغاثة للمجتمع الدولي
حذر الأطباء والعاملون في المجال الإنساني من أن استمرار موجة البرد الحالية سيؤدي إلى ارتفاع عدد الوفيات، خاصة بين الأطفال حديثي الولادة الذين يحتاجون إلى رعاية طبية خاصة لا تتوفر حاليًا في معظم المستشفيات بسبب نقص الإمدادات الأساسية.
ودعا الدكتور سعيد صلاح الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية إلى "تحرك عاجل لإنقاذ الأطفال والعائلات النازحة، عبر توفير مأوى آمن لهم، وإمدادهم بوسائل التدفئة المناسبة لمنع وقوع المزيد من الضحايا".
كما طالبت وزارة الصحة في غزة بضرورة تسهيل دخول الوقود والمستلزمات الطبية إلى القطاع، مشيرةً إلى أن المستشفيات تعمل حاليًا بأقل من نصف طاقتها نتيجة انقطاع الكهرباء المتكرر ونقص المعدات الطبية الضرورية لإنقاذ المرضى.
تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية متزايدة
في سياق متصل، أصدرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تحذيرًا شديد اللهجة بشأن تفاقم الأزمة في غزة، مشيرةً إلى أن حوالي 7700 رضيع يفتقرون إلى الرعاية الطبية المناسبة وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحي في القطاع.
وأكدت الوكالة أن نقص الأدوية والمعدات الطبية يعرض حياة آلاف الأطفال للخطر، مشددةً على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير الدعم الصحي والغذائي للأسر المتضررة.
وفي بيان رسمي، قالت أونروا: "إن الأطفال حديثي الولادة في غزة يواجهون خطر الموت بسبب نقص الحاضنات الطبية وانخفاض درجات الحرارة في المستشفيات التي لم تعد قادرة على توفير البيئة المناسبة لرعاية الأطفال الخدج."
معاناة متواصلة في ظل استمرار الحصار
يعيش سكان قطاع غزة أوضاعًا كارثية منذ سنوات بسبب الحصار المفروض على القطاع، والذي أدى إلى تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه والصحة. ومع دخول فصل الشتاء، ازدادت المعاناة بشكل كبير، حيث أصبحت العائلات عاجزة عن مواجهة البرد القارس بسبب قلة الموارد وارتفاع أسعار الوقود بشكل غير مسبوق.
وبحسب تقارير محلية، فإن العديد من العائلات النازحة فقدت الأمل في تحسن الأوضاع، حيث يرون أن الاستجابة الإنسانية غير كافية، والمساعدات التي تصل إلى القطاع لا تغطي الاحتياجات المتزايدة للسكان.
ماذا بعد؟ هل من حلول للأزمة؟
في ظل استمرار موجة البرد الحالية، وغياب أي حلول حقيقية على الأرض، تبقى حياة الآلاف من الأطفال والمسنين في خطر، ما يفرض على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية مسؤولية التحرك العاجل لإنقاذ الأرواح ومنع تفاقم الأزمة.
وتكمن الحلول العاجلة في تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ورفع القيود المفروضة على دخول مواد التدفئة والإيواء، إلى جانب دعم المستشفيات بالمعدات الطبية اللازمة لرعاية الأطفال حديثي الولادة.
ومع استمرار العواصف الشتوية وتدهور الوضع الإنساني، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتحرك العالم لإنقاذ أطفال غزة، أم ستظل هذه الكارثة الإنسانية تتفاقم في صمت؟