بريطانيا تفتح تحقيقًا حول احتكار محرك بحث "غوغل"

تسعى هيئة المنافسة والأسواق البريطانية إلى تحديد ما إذا كانت شركة غوغل تمتلك "وضعًا استراتيجيًا في السوق"، مما قد يؤدي إلى فرض قيود جديدة تهدف إلى تعزيز المنافسة العادلة وحماية المستهلكين من الممارسات الاحتكارية.
تحقيق هيئة المنافسة والأسواق، احتكار غوغل، سوق البحث الرقمي، قانون الأسواق الرقمية، مكافحة الاحتكار، الإعلان الرقمي.

أعلنت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية يوم الثلاثاء عن فتح تحقيق رسمي يتعلق بمكافحة الاحتكار في خدمات البحث والإعلانات على شبكة البحث التي تقدمها شركة غوغل. يأتي هذا التحقيق في إطار قانون الأسواق الرقمية والمنافسة والمستهلكين الجديد في المملكة المتحدة، الذي يهدف إلى تعزيز المنافسة ومنع السلوكيات الاحتكارية في الأسواق الرقمية المتطورة.

 التحقيق في وضع غوغل الاستراتيجي

تعتزم الهيئة تقييم ما إذا كانت غوغل تتمتع بوضع استراتيجي في السوق (Strategic Market Status - SMS) وفقًا للقانون الجديد. وإذا تم تصنيف شركة على أنها تمتلك هذا الوضع، فإن الجهات التنظيمية ستحصل على سلطات واسعة لفرض تغييرات تهدف إلى منع الممارسات المناهضة للمنافسة. وفقًا لتقرير نشرته شبكة "CNBC" واطلعت عليه "العربية Business"، فإن هذا التصنيف سيؤدي إلى تطبيق مجموعة جديدة من القواعد والقيود على غوغل للحد من سيطرتها على سوق البحث.

 أهداف التحقيق

صرحت سارة كارديل، الرئيسة التنفيذية لهيئة المنافسة والأسواق، بأن التحقيق يستهدف ضمان "تكافؤ الفرص" في سوق البحث، خاصة مع التحولات التي أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي في طريقة البحث على الإنترنت. وأكدت أن الهيئة تسعى إلى تعزيز خيارات المستخدمين وضمان حصولهم على خدمات مبتكرة وعادلة. كما أوضحت أن الشركات، بما في ذلك محركات البحث المنافسة والمعلنين والمؤسسات الإخبارية، يجب أن تتمتع بفرص متساوية لتحقيق النجاح في بيئة سوق تنافسية.

وأضافت كارديل أن التطورات التقنية السريعة تعني ضرورة وضع قواعد جديدة لحماية المستهلكين والشركات من هيمنة الشركات الكبرى. كما شددت على أهمية توفير بيئة تتيح الابتكار دون قيود احتكارية تمنع دخول لاعبين جدد أو تحد من قدرة المنافسين على التوسع.

 خلفية التحقيق

يأتي هذا الإجراء من هيئة المنافسة والأسواق البريطانية في سياق تحركات مشابهة من قبل جهات تنظيمية عالمية. في الولايات المتحدة، تقدمت وزارة العدل بطلب لتفكيك هيمنة غوغل على سوق البحث، مطالبة بفصل متصفح "كروم" عن باقي خدمات الشركة. تزعم الوزارة أن غوغل تسيطر بشكل غير قانوني على السوق من خلال ترتيباتها التجارية التي تمنحها الهيمنة على عمليات البحث عبر الإنترنت.

تُعد غوغل اللاعب الأبرز في سوق البحث على الإنترنت، حيث تستحوذ على الحصة الأكبر من سوق الإعلانات الرقمية المرتبطة بالبحث. وتستخدم الشركة مزيجًا من الابتكار التكنولوجي والشراكات الحصرية مع صانعي الأجهزة ومتصفحات الإنترنت للاحتفاظ بسيطرتها.

تأثيرات الذكاء الاصطناعي

مع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، يشهد قطاع البحث على الإنترنت تغييرات جذرية. تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على تحسين تجربة البحث من خلال تقديم نتائج أكثر دقة وشخصية، ما يثير تساؤلات حول كيفية ضمان التوازن بين الابتكار وحماية المنافسة.

وأكدت هيئة المنافسة أن الهدف من التحقيق هو خلق بيئة عادلة تحفز الابتكار وتمنح المستخدمين والشركات وصولًا أفضل إلى الفرص. وترى الهيئة أن التغيير في ديناميكيات السوق بسبب التقنيات الحديثة يتطلب تدخلًا تنظيميًا أكثر فاعلية.

 السياق العالمي

لا تقتصر المراقبة التنظيمية على المملكة المتحدة والولايات المتحدة فقط. ففي الاتحاد الأوروبي، تخضع غوغل لتحقيقات متعددة بشأن ممارساتها المتعلقة بالبحث والإعلانات. وتم تغريم الشركة بمليارات الدولارات نتيجة لانتهاكها قوانين المنافسة الأوروبية في قضايا سابقة.

تتجه الأسواق العالمية نحو وضع قيود أكثر صرامة على الشركات التقنية الكبرى لضمان وجود منافسة عادلة. ويثير هذا التوجه تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين حماية المنافسة ودعم الابتكار، حيث يعتبر الخبراء أن بعض التدخلات قد تعيق تطوير تقنيات جديدة بينما يراها آخرون ضرورية لكبح جماح هيمنة الشركات الكبرى.

 توقعات المستقبل

سيكون لنتائج التحقيق البريطاني تأثير كبير على مستقبل غوغل وسوق البحث عالميًا. إذا وجدت الهيئة أن غوغل تمارس احتكارًا، فقد تواجه تغييرات جذرية في نماذج عملها، بما في ذلك تعديل الطريقة التي تقدم بها خدمات البحث والإعلانات.

وفي الوقت الذي تستعد فيه الشركات التقنية لمزيد من التدقيق، يظل السؤال الأهم هو كيف يمكن تطوير بيئة تنظيمية تعزز الابتكار وتمنع الاحتكار في الوقت ذاته. فبينما تسعى الجهات التنظيمية إلى ضمان المنافسة، تحتاج الشركات الكبرى إلى وضوح في القواعد حتى تتمكن من الاستثمار في تطوير تقنيات جديدة.

 الخلاصة

تحقيق هيئة المنافسة والأسواق البريطانية مع غوغل هو جزء من توجه عالمي نحو مراقبة الشركات التقنية الكبرى لضمان وجود أسواق مفتوحة وتنافسية. وبينما يتزايد تأثير الذكاء الاصطناعي على تجربة المستخدم، يبقى دور الجهات التنظيمية حاسمًا في تحقيق التوازن بين حماية المستهلكين وتشجيع الابتكار.

تعليقات