لا تنزعجن من "أنفلونزا الرجال".. الفيروس أكثر تأثيراً عليهم

مناعة الرجال والنساء أنفلونزا الرجل استجابة مناعية دراسات
 

الرجال والأنفلونزا: مبالغة أم اختلاف بيولوجي؟

يُعتقد على نطاق واسع أن الرجال يتعاملون مع نزلات البرد والأنفلونزا بشكل أكثر حدة مقارنة بالنساء، مما جعلهم عرضة لاتهامات بالمبالغة في أعراضهم والتصرف كـ"أطفال كبار". ولكن هل هذا التصور يحمل شيئاً من الحقيقة؟

أصل مصطلح "أنفلونزا الرجل"

ظهر مفهوم "أنفلونزا الرجل" منذ فترة طويلة. وفقًا لموسوعة ويكيبيديا، أُشير لأول مرة إلى المصطلح عام 1999 في رسالة على مجموعة أخبار Usenet، كما وثّقه قاموس أكسفورد الإنجليزي. يشير المصطلح إلى حالة يُعتقد فيها أن الرجال يبالغون في التعبير عن معاناتهم عند الإصابة بأعراض البرد أو الأنفلونزا.

دراسات علمية تكشف الفروق

نشرت المراجعة السنوية لعلم المناعة (ARI) عام 2022 واحدة من أكثر المراجعات شمولاً للفروق بين الجنسين في استجابتهم للأمراض. وكشفت الدراسة عن وجود اختلافات واضحة في كيفية استجابة الرجال والنساء للفيروسات والبكتيريا.

اختلافات المناعة بين الجنسين

النساء تميل إلى تكوين استجابة مناعية أقوى للعدوى مقارنة بالرجال، مما يجعلها أقل عرضة للإصابة أو تتعافى بشكل أسرع. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: هل الرجال يبالغون فعلاً أم أن استجابتهم للأمراض نتيجة عوامل بيولوجية حقيقية؟

اختلافات بيولوجية بين الرجال والنساء في الاستجابة للفيروسات

مناعة النساء أقوى بشكل عام

أظهرت الدراسات أن النساء أقل عرضة للإصابة بعدوى فيروسية مقارنة بالرجال. يعود ذلك جزئيًا إلى الفروق السلوكية، حيث تميل النساء إلى اتخاذ احتياطات أكثر مثل ارتداء الأقنعة وغسل اليدين. ومع ذلك، فإن الفروق البيولوجية تلعب دورًا أكبر، حيث ثبت أن النساء يمتلكن استجابة مناعية أقوى للفيروسات.

دور السيتوكينات في الاستجابة المناعية

عند الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية -1، تنتج الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا الجذعية البلازمية (pDC) لدى النساء مستويات أعلى من المادة الكيميائية IFN-α مقارنة بالرجال. يُعتبر هذا السيتوكين، وهو بروتين ينظم الالتهابات، مكونًا أساسيًا في الاستجابة المناعية ضد الفيروسات. قدرة النساء على إنتاج هذا العنصر بسرعة تجعل أجهزتهن المناعية أكثر فعالية في مكافحة العدوى مقارنة بالرجال.

نتيجة الاختلاف

هذه الفروق البيولوجية تمنح النساء ميزة في التعامل مع العدوى، حيث يمكنهن بدء الاستجابة المناعية بشكل أسرع وأكثر فعالية، مما يقلل من شدة الأعراض ومدتها.

خلايا الذاكرة ودور المناعة القوية لدى النساء

استجابات أقوى لخلايا الذاكرة المناعية

أظهرت الدراسات أن النساء يمتلكن استجابات مناعية أكثر كفاءة عند مواجهة عدوى مثل إنفلونزا H1N1، حيث ينتجن مستويات أعلى من الأجسام المضادة مقارنة بالرجال. كما تبين أن خلايا الذاكرة المناعية من النوع CD8+ T لدى النساء تكون أكثر نشاطًا، مما يعني أن أجهزتهن المناعية تحتفظ بقدرة أفضل على محاربة العدوى المستقبلية.

أعراض أقل حدة

عندما تصاب النساء والرجال بنفس العدوى، تميل النساء إلى امتلاك أحمال فيروسية أقل، مما يخفف من حدة الأعراض لديهن مقارنة بالرجال.

أسباب بيولوجية وتطورية

تشير الأبحاث إلى أن جهاز المناعة الأقوى لدى النساء يعود إلى عوامل بيولوجية وتطورية. يحمل الكروموسوم X العديد من الوظائف المرتبطة بتنظيم المناعة، وبما أن النساء لديهن نسختان منه، فإن ذلك يمنحهن ميزة مناعية إضافية.

دور الهرمونات في تعزيز المناعة

يلعب هرمون الإستروجين دورًا إيجابيًا في تعزيز المناعة، في حين أن هرمون التستوستيرون قد يعمل على قمعها.

التفسير التطوري

من منظور تطوري، يعتبر جهاز المناعة الأقوى لدى النساء ضرورة للبقاء بصحة جيدة، مما يضمن قدرتها على الحمل وتربية الأطفال دون نقل العدوى لهم أو الإصابة بالمرض خلال تلك الفترات الحرجة.

مناعة الرجال: أدلة وشكوك

أجهزة مناعة أضعف؟

تشير بعض الدراسات إلى أن الرجال يتمتعون بأجهزة مناعة أضعف من النساء، مما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض بمعدلات أعلى، ويجعلهم أكثر عرضة للشكوى من الأعراض. ومع ذلك، لا يزال البحث غير قاطع تمامًا في هذا المجال.

تعافي النساء أسرع مع أعراض أشد

أظهرت دراسة نُشرت في دورية JPR عام 2022 أن النساء يتعافين أسرع من التهاب الأنف والجيوب الحاد مقارنة بالرجال، لكنهن أبلغن عن أعراض أشد.

وفي دراسة أخرى عام 2019، تم تعريض 15 رجلًا و15 امرأة لبكتيريا الإشريكية القولونية لتحفيز أعراض شبيهة بالأنفلونزا. لوحظ أن النساء استجبن للالتهابات بقوة أكبر وكان لديهن مستويات منخفضة من تفاعل الأوعية الدموية، مما يشير إلى أن العلاجات الوريدية كانت أكثر فعالية مع النساء. ومع ذلك، صنف الجنسين شدة الأعراض على نحو مشابه.

الرجال والمبالغة في الأعراض

دراسة شملت 1700 رجل وامرأة مصابين بنزلات البرد كشفت أن الرجال بالغوا في تقدير شدة أعراضهم بنسبة 6% أكثر من النساء. ومع ذلك، في تجربة أخرى، أظهر كلا الجنسين مستويات متساوية من الآهات والشكوى، لكن الرجال أظهروا تنهدات وأنفاس عميقة بشكل متكرر، مما يعكس ميلًا أكبر للتعبير عن معاناتهم.

وفيات أعلى بين الرجال

عندما يتعلق الأمر بالأمراض الخطيرة مثل كوفيد-19، أظهرت الإحصائيات أن الرجال يعانون من أعراض أشد ومعدل وفيات أعلى بنسبة 15% مقارنة بالنساء.

هذا الفارق يمكن تفسيره بمجموعة من العوامل، منها:

  1. الفروق البيولوجية بين الجنسين.
  2. الاختلاف في الاستجابة المناعية.
  3. السلوكيات المرتبطة بالصحة، حيث يميل الرجال إلى اتخاذ احتياطات أقل.

الخلاصة

بينما يظهر الرجال ميلًا للمبالغة في الأعراض، تؤكد الدراسات أن هناك اختلافات بيولوجية واستجابات مناعية حقيقية بين الجنسين، تجعل الرجال أكثر عرضة للإصابة بأمراض شديدة مقارنة بالنساء.

تعليقات